٨ - من خلال استقرائي لكتب مُشكِل القرآن ومُشكِل الحديث، ظهر لي أن الآيات أو الأحاديث التي يوهم ظاهرها معارضة أصل لغوي أو حقيقة علمية ثابتة أو حسن أو معقول لم تلقَ عناية كبيرة من العلماء، ولم يُفردْ من قبل بالتصنيف؛ لذا فإن هذا الموضوع يُعدُّ من الموضوعات الجديرة بالدراسة والتحقيق، وهو مكمل لما أُلِّف قديماً وحديثاً حول مشكل القرآن والحديث.
٩ - في أثناء الدراسة، تبين لي أن من الأسباب التي توهم الإشكال في الأحاديث هو وقوع الخطأ من الرواة في نقل لفظ الحديث؛ فتجد أحدهم ينقل الحديث بغير لفظه الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيوهم معنى مشكلاً، أو يروي حديثاً مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الغرابة والإشكال ما يستحيل معه أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وعند التحقيق يتبين خطأ رفعه، وأن أصل الحديث يعود لرواية إسرائيلية، أو غير ذلك.
١٠ - معرفة سبب النزول وسبب ورود الحديث مهمَّان للغاية في دفع التعارض بين النصوص الشرعية؛ إذ معرفة السبب يعين على فهم الآية والحديث ومعرفة المراد منهما، وبالتالي يسهل التوفيق بينهما عند التعارض.
١١ - أن إنكار المجاز – والقول بوجوب حمل النصوص الشرعية على الحقيقة في كل الأحوال، وإن كان هناك قرينة على إرادة المجاز – رأي ينبغي إعادة النظر فيه؛ إذ القول بهذا الرأي ينشأ عنه تناقض بين النصوص الشرعية لا يمكن التخلص منه إلا بتكلُّف، والواجب هو التعامل مع النصوص الشرعية حسب الأساليب المتعارف عليها عند العرب، حيث كان القرآن ينزل بلغتهم ويخاطبهم وفق الأساليب التي تعارفوا عليها.
١٢ - قد يتجاذب النصَّين دلالتان، وفي كل من الدلالتين ما يوهم معارضة الدلالة الأخرى؛ فيظن الناظر أنه ثمة تعارض بين النصوص الشرعية، لكن عند التحقيق يتبين ضعف إحدى الدلالتين؛ مما يؤكد أهمية معرفة دلالات النصوص الشرعية، وأهمية التفريق بينها.
١٣ - اشتهرت عند عامة المفسرين والفقهاء قاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، وهذه القاعدة في نظري ينبغي تقييدها فيقال بالعموم إلى أن يأتي دليل على التخصيص؛ وقد قرر ذلك بعض الأئمة بأنه لا مانع من قصر اللفظ العام على سببه لدليل يوجب ذلك.
١٤ - أن النص الشرعي قد يرد على سبب خاص، وقد يرد ابتداء من غير سبب، فإذا تعارضا في العموم؛ فإن عموم النص الوارد - ابتداءً من غير سبب - أقوى وأولى بالتقديم من عموم النص الوارد على سبب خاص.
١٥ - أن قصر بعض أفراد العام على سببه أولى من قصر جميع أفراده على سبب النزول؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
١٦ - أن دعوى الإجماع لابد وأن يكون لها مستند من كتاب أو سنة، وأن لا تخالف شيئاً من النصوص، وغالباً ما يُحكى الإجماع ولا تجد له أصلاً، أو يكون أصله مختَلفاً في حجيته، وتحقق ثبوت الإجماع عزيز وقلَّ أن يثبت.
١٧ - أن الإمام مسلم قد يروي حديثاً في صحيحه، فيظن الناظر لأول وهلة أن الحديث صحيح؛ لكنه عند التحقيق يتبين أن الإمام مسلم رواه بالمتابعات لا في الأصول، وما رواه بالمتابعات ليس هو في درجة ما رواه في الأصول من حيث القوة؛ كما نص على ذلك الأئمة، وعليه فينبغي التفريق في العزو بين ما رواه في الأصول وما رواه بالمتابعات، ليتميز الحديث قوة وضعفاً.