للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وأما مفردات العقيدة: فإن تجديدها يعني إدخال العديد من مفردات العقيدة في الوعي العقدي للأمة، بحيث (تصبح هذه المفردات تتنزل في الأذهان على أنها أسس في الدين، وأن الإخلال بها إنما هو إخلال بالدين، وليس ذلك من باب الابتداع، وإنما هو من باب إرجاع المفاهيم إلى نصابها الحقيقي، وإحلالها في التصور على الوضع الذي جاءت عليه في نصوص الوحي، والذي كانت عليه في أذهان أوائل المسلمين). ومن هذه المفردات ما يتعلق بقضايا خلافة الإنسان في الأرض، والقضايا الاجتماعية والتشريعية .. التي غابت عن الوعي العقدي الإسلامي نتيجة ذلك الانحسار في مدلول العقيدة نفسها.

٣ - ٤ - تجديد الإيمان العقدي: من مظاهر الانحسار أيضاً أن صار البحث العقدي خاصة، والوعي العقدي لدى المسلمين عامة، يحصر مفهوم الإيمان في التصديق، جرياً على التعريف الكلامي وهيمنة الإرجاء على النفوس، وإن لم تكن في غالبها معتقدة بعقائد المرجئة والمتكلمة.

والناظر في حقيقة مسمى الإيمان في نصوص الوحي وعبارات السلف واجد أن التصديق جزء من الإيمان لا كله. لقد كان الإيمان يصوغ الشخصية المسلمة: فكراً وقلباً وعملاً، لذلك فإن تجديد الإيمان العقدي في نفوس المسلمين يقتضي أموراً ثلاثة:

أولها: الصياغة العقدية للأفكار، أو قل: صياغة الفكر الشرعي صياغة عقدية بحيث تبدو فيه روح العقيدة سارية في مفرداته، وفي هيكله العام، مؤطرة له في كل مساراته، ويلحق بالفكر كل ما هو شبيه به من ألوان المنازع الإنسانية في توليد الصور والتعبير عنها، كالآداب والفنون.

الثاني: شمول العقائد للأفعال، وهو ناجم عن دخول العمل تحت مسمى الإيمان، وسواء كانت الأفعال عبادات أو معاملات، فإنها ما كانت في أصل الشرع مفصولة عن روح العقيدة، وإنما هي تجل لازم من تجلياتها، وجزء لا يتجزأ من مقوماتها. فالعقيدة المفصولة عن الأفعال إرجاء، والأفعال المفصولة عن العقيدة نفاق ورياء. وكمال الإيمان تصديق وقول وعمل.

الثالث: التربية العقدية للنفوس: وإنما أعني بها التزكية الروحية التي تخولها العقيدة الصحيحة، فلم يكن بناء العقائد مفصولاً عن طبيعتها التربوية الروحية في الوعي العقدي لدى الجيل الإسلامي الأول، الذي تلقى مفردات العقيدة من مشكاة النبوة. لقد كانت مبادئ التوحيد ممتلئة بمعاني الخوف والرجاء والحب والشوق والرضى والأنس ... إلخ. فقد كانت العقيدة تتوجه – ببساطة العبارة وصفاء الفكرة – إلى فطرة الإنسان العاطفية فضلاً عن تفكيره السليم، وكان العقل نفسه وظيفة من وظائف القلب غير مفصول عنه. ولما طغى على العقائد التنسيق الكلامي المجرد، والبناء الفلسفي النظري، ظهر التصوف، فانفصم جسد الشخصية الإسلامية إلى شطرين متناكرين، مع أن العقيدة جاءت لصناعة شخصية مسلمة متكاملة، لا ينفصل فيها القلب عن الفكر ولا عن السلوك.

عموماً، فإن نهضة الأمة الإسلامية اليوم رهينة بإنجاز تجديد شامل، يقوم على رؤية واضحة وبسيطة وواقعية: تعود إلى مرجعية القرآن والسنة، وفهم منهجي بدون تأويل ولا تعطيل ولا تفويض، وبدون تحريف ولا اختزال، وتقدم تجديداً في منهج عرض العقائد، وربطها بواقع البشرية اليوم، بهدف إصلاح الأمة والنهوض بشأن خلافة الإنسان في الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>