للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ـ إن الحكمة تجعل الدّاعي إلى الله يُقدّر الأمور ويعطيها ما تستحقه، فلا يزهد في الدنيا والناس في حاجة إلى النّشاط والجدّ والعمل، ولا يدعو إلى الانقطاع والانعزال عن الناس، والمسلمين في حاجة إلى الدفاع عن عقيدتهم وبلادهم وأعراضهم، ولا يبدأ بتعليم الناس البيع والشراء وهم في مسيس الحاجة إلى تعلم الوضوء والصلاة، فالحكمة تجعل الداعية ينظر ببصيرة المؤمن، فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال، وبذلك ينفذ إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب، وتنشرح له صدورهم، ويرون فيه المنقذ الحريص على سعادتهم ورفاهيتهم وأمنهم.

٦ـ إن البصيرة في الدعوة إلى الله هي أعلى درجات الحكمة والعلم، وهذه الخاصيّة اختصّ بها النبي e، ثم أصحابه، والمخلصين من أتباعه، وهي أعلى درجات العلماء، وحقيقتها الدّعوة إلى الله على علم ويقين وبُرهان عقلي وشرعي، وترتكز البصيرة في الدعوة إلى الله على ثلاثة أمور:

(أ) أن يكون الدّاعية على بصيرة، وذلك بأن يكون عالماً بالحكم الشّرعيّ فيما يدعو إليه.

(ب) وأن يكون على بصيرة في حال المدعو حتى يُقدّم له ما يُناسبه.

(ج) وأن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة.

٧ـ إن العلم النافع المقرون بالعمل الصّالح، والحلم والأناة من أعظم الأسس التي تقوم عليها الحكمة في الدعوة إلىالله ـ تعالىـ، ولهذا فقد يكون المرء عالماً أو حليماً، ولا يكون حكيماً حتى يجمع هذه الأسس الثلاثة.

٨ـ إن العلم والحِلْم والأناة لها أسباب تُؤدي وتوصل إليها، وأسباب تعين على التمسك بها، والمحافظة عليها.

٩ـ إنّ العلم لا يكون من دعائم الحكمة إلا باقترانه بالعمل الصالح، وقد كان علم الصّحابة مقروناً بالعمل والإخلاص والمتابعة، ولهذا كانت أقوالهم وأفعالهم وسائر تصرفاتهم ـ في دعوتهم إلى الله وأمورهم ـ تزخر بالحكمة.

١٠ـ إن العجلة وعدم التّثبت والتأني والتبصر أو التباطؤ والتّقاعس، كل ذلك يؤدي إلى كثير من الأضرار والمفاسد، والداعية أولى الناس بالابتعاد عن ذلك كله، فمقتضى الحكمة أن يعطي كل شيء حقّه، ولا يعجّله عن وقته، ولا يؤخّره عنه، فالأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها، ونهايات تصل إليها ولا تتعداها، ولها أوقات لا تتقدّم عنها ولا تتأخر.

١١ـ إن الحلم من أعظم ركائز الحكمة ومبانيها العظام، وقد كان خلقاً من أخلاق النبوة والرّسالة، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم عظماء البشر، وقدوة أتباعهم من الدعاة إلى الله، والصّالحين في أخلاقهم كافة، وعلى رأسهم محمد e وأتباعه.

١٢ـ إن الأناة عند الداعية تسمح له بأن يحكم أموره، فلا يُقدم على أي عمل إلا بعد النظر والتأمل ووضوح الغاية الحميدة التي سيجنيها، ولا يَتعجّل بالكلام قبل أن يُديره على عقله، ولا بالفتوى قبل أن يعرف دليله وبرهانه الذي اعتمد عليه وبنى عليه فتواه.

فالداعية بحاجة ماسّة إلى الأناة، لما يحصل بذلك من الفوائد الكثيرة، والكفّ عن شرور عظيمة، وهذا يجعل الداعية بإذن الله ـ تعالىـ في سلامة عن الزلل.

١٣ـ إنّ الدّاعية لا يكون حكيماً في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته وأفكاره وموافقاً للصّواب في جميع أموره إلا بتوفيق الله ـ تعالىـ له، ثم بسلوك طرق الحكمة، وذلك بالتزام السّلوك الحكيم، والسّياسة الحكيمة مع مراعاة التسديد والمقاربة والأساليب الحكيمة، وفقه أركان الدعوة، وأن يكون عاملاً بما يدعوا إليه مخلصاً متخذًا في ذلك محمداً e قدوةً وإماماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>