سادساً: يتفق العلماء جميعاً على اعتبار مآلات الأفعال والأخذ بها حتى الظاهرية فإنهم يعتدون بالمآلات التي يقطع بتحقق وقوعها، لكنهم يختلفون في مدى العمل بها والتوسع في استعمالها، ويرجع هذا الاختلاف إلى الاختلاف في تحقيق المناط الذي يتوصل به إلى معرفة ما سيؤول إليه الفعل بكشف مقاصد المكلفين, ومآلاتها التي لم تتضمنها صيغة العقد، فالحنفية والشافعية يتمسكون بظواهر العقود عملاً بالأصل ولا يحكمون بالتهمة، وهم بذلك نظروا إلى المآل باعتبار ما يؤول إليه ذلك من مصلحة استقرار التعامل بين الناس، وأما المالكية والحنابلة فيعتدون بالقصود الخفية إذا دلت عليها قرائن الأحوال, ويحكمون بالتهمة، وهذا ما يبرر توسعهم في الأخذ بسد الذرائع وإبطال الحيل.
سابعاً: يرجع إلى اعتبار المآلات: قواعد تشرعية أصولية وفقهية تعمل على مراعاة المآل، ولا يستلزم اتفاق الأصوليين على اعتبار المآلات أن يتفقوا على حكم الفعل المبني على النظر في المآل، فقد يختلف الفقهاء في حكم الفعل مع اعتدادهم بمآله، وذلك عائد لأسباب منها خفاء المآل فكثيراً ما يكون المآل خفياً وهذا يحتاج إلى التفطن والتنبه له، ومنها تعارض المآلات، والاختلاف في المآل المفضي إليه الفعل، وغيرها من الأسباب.
ثامناً: تتنوع مآلات الأفعال إلى أنواع عدة باعتبارات مختلفة، ويشترط لاعتبار المآلات شروط عامة هي أن يكون المآل متحقق الوقوع، وأن يكون جارياً على مقتضى مقاصد الشريعة، وأن يكون منضبطاً، وألا يؤدي اعتبارها إلى تفويت مصلحة راجحة, أو الوقوع في ضرر أشد، ولا يعتبر المآل إن كان نادر الوقوع، أو كان مناقضاً لمقاصد الشرع، أو أفضى إلى تفويت مصلحة راجحة، أو إلى ضرر أشد.
تاسعاً: لكشف مآلات الأفعال طرق ومسالك يتوصل بها إلى معرفة المآلات، وهي متفاوتة من حيث مدى ظهورها وخفائها هي: التصريح بالمآل، والقرينة المحتفة، والظن الغالب، والتجربة، وأوسعها دلالة على المآلات القرينة, فيستدل بطبيعة المحل، وبالأحوال الملابسة للمحل، وبدلالة العادة، وبكثرة وقوع الفعل في الخارج، وبحال الشخص، وحال الواقع، ولا تنحصر معرفة المآلات بهذه الطرق فكل ما أفاد ظنا غالباً على مآل الفعل استدل به.
عاشراً: تعتبر مآلات الأفعال عند استنباط الأحكام: بالأخذ بالقواعد الأصولية المآلية بشروطها المعتبرة عند الأصوليين، وهي كما يأتي:
قاعدة المصالح وتعتمد على اعتبار ما يؤول إليه الفعل من مصلحة ملائمة لتصرفات الشارع.
وقاعدة سد الذرائع: وتعتمد على منع الفعل المباح أو المشروع إذا كان يفضي إلى مفسدة، وعلى منع الفعل الذي يكون وسيلة إلى قصد محظور.
وقاعدة فتح الذرائع: وتعتمد على طلب الفعل الذي يكون وسيلة على مصلحة ويتفاوت حكمه بتفاوت مصلحته، وعلى إباحة الفعل الممنوع الذي يكون مفضياً إلى مصلحة راجحة على مفسدته.
وقاعدة مراعاة الخلاف وتعتمد على الخروج من الخلاف قبل وقوع الفعل من أجل الاحتياط وبراءة الذمة، وعلى مراعاة الخلاف بعد وقوع الفعل بأن يترك المجتهد العمل باجتهاده لما يفضي إليه ذلك من التيسير على المكلف وعدم وقوعه فيما هو أشد عليه من مخالفته وفق شروطه المعتبرة عند الأصوليين.
وقاعدة الضرورة وتعتمد على إباحة ارتكاب فعل المحظور, وترك الفعل الواجب, إذا كان ذلك يفضي إلى الحفاظ على مصلحة ضرورية.
وقاعدة رفع الحرج: وتعتمد على الترخيص في الفعل الممنوع إذا كان فعله مفضياً إلى حرج ومشقة؛ لأجل التيسير على الملكفين ورفع المشقة عنهم.
وقاعدة تعليل الحكم بما يؤول إليه: وتعتمد على النظر في العلة الغائية التي يفضي إليها الحكم واعتبارها عند الحكم عليه.