وقد اتفق الأصوليون على اعتبار هذه القواعد والعمل بها، وما نقل من خلاف فيها فيرجع إلى عدم تحرير المصطلح المختلف في حجيته، أو إلى اعتبارها أصلاً مستقلاً بذاته، ولم قع خلاف في العمل بها, وإنما تفاوتوا في مدى إعمالها.
الحادي عشر: تعتبر مآلات الأفعال عند الاجتهاد في تنزيل الأحكام على الواقع وتطبيقها على المكلفين، ففي الفتوى ينظر المجتهد إلى ما يترتب عليها من الوقوع في مفسدة، أو إفضائها إلى مشقة وحرج، أو كونها تفضي إلى تفويت مصلحة أعظم منها، ويراعي زمن الفتوى من حيث فساد الزمان ومدى تورعهم عن الوقوع في المحرمات, من أجل ردعهم والتشديد عليهم في الفتوى، ومعرفة حال الواقع وتغير الظروف والأحوال، وتطور الزمان، والأخذ بالأسهل عند تكافئ الأقوال.
وفي حال المستفتي ينظر إلى مآل الحكم في حق المستفتي, ويفتي كل مكلف بما يناسب حاله, من الردع والزجر, أو التسهيل والترخيص, أو التشديد عليه؛ لكونه ممن يقتدى به، وينظر في قصد المكلف من الفعل، ويحذر من مكر الناس وخداعهم، ويراعي حالة المستفتي ومدى قدرته وطاقته وما يفضي إليه الفعل في حقه، وعليه أن يتدرج في تبليغ الأحكام بما يناسب حال المكلف.
وفي حال المفتي ينظر المجتهد في مآل الفعل من حيث اقتداء الناس به، فيترك الفعل غير الواجب إذا كان فعله مفضياً إلى اعتقاد وجوبه، أو يفضي إلى وقوع الناس في الحرج والمشقة أو المفسدة، ويترك الأخذ بالرخصة إذا كان الأخذ بها يفضي إلى مفسدة.
وفي الفعل المفتى فيه ينظر إلى ما يفضي إليه الحكم وما هو وسيلة إليه ومدى تحقيقة للمقصد التشريعي.
الثاني عشر: يجب على المجتهد مراعاة الظروف التي تحيط بالواقعة ويعتبر الخصوصيات نظراً لتأثيرها على الحكم، ومن الخطأ أن يجاب السائل بمقتضى الأصل دون اعتبار التوابع الإضافية ومناطات الأحكام والنظر في حال الزمان والمكان، أو يجعل المجتهد حكماً واحداً لجميع المكلفين دون اعتبار حال في مكلف، لتغير الحكم بتغيرها، أو ينزل الأحكام الفقهية دون اعتبار للواقع، وقد كانت الفتاوى الاجتهادية الصادرة عن الفقهاء المجتهدين مراعية لحال عصرهم وزمانهم، فلا يمكن تطبيقها في هذا العصر دون اعتبار للأحوال المتغيرة والعادات المتحددة.
الثالث عشر: قد تتعارض المآلات التي يفضي إليها الفعل فيحتاج إلى الموازنة بينها وتقديم أعظم المصلحتين ودرء أشد المفسدتين، وتقديم ما غلب من المصلحة أو المفسدة عند تعارضهما، ويتفاوت المجتهدون كثيراً في تقدير المصالح والمفاسد وتمييز أعلى المصلحتين وأشد المفسدتين.
الرابع عشر: قد يكون مآل الفعل ثابتاً لا يتغير بتغير زمان أو مكان ومن ذلك ما ورد في الشريعة من تعليل بعض الأحكام بمآلاتها التي تفضي إليها، وقد يكون مآل الفعل مما يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، وهذا هو الغالب في المآلات، مما يؤكد أهمية اعتبار أحوال الزمان والمكان والظروف التي تحيط بالواقعة.
الخامس عشر: تؤثر مآلات الأفعال على الأحكام التكليفية فلا يحكم على فعل بحكم تكليفي إلا بعد النظر إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، كما أن الأحكام التكليفية تتغير وتتحول من حكما لآخر، ومن نوع إلى نوع آخر نظراً للمآل المفضي إليه الفعل.
السادس عشر: تؤثر المآلات على الأحكام الوضعية فينظر إليها من حيث القصد من إيقاعها، فإن كان القصد من فعل السبب أو الشرط أو المانع عدم ترتب الحكم تحايلاً لإسقاط واجب أو فعل ممنوع فإنه يكون باطلاً، ويأخذ السبب حكم ما يتسبب به, ولذا كان إيقاع الأسباب بمنزلة إيقاع مسبباتها، ولا يبنى الحكم على سبب يغلب على الظن وقوعه لكنه لم يقع بعد.
السابع عشر: تؤثر مآلات الأفعال على الترجيح فمن المرجحات ما يرجع إلى اعتبار المآل والنظر فيما يؤول إليه الفعل.