وفي المبحث الثاني تحدثت عن أثر الفقية الداعية في الأمة، ومدى حاجة الأمة الماسة إلى ممارسة الفقهاء للعمل الدعوي، إذ هم العارفون بصحيح الأعمال من سقيمها، فتقع المسئولية العظمى عليهم في بيان شريعة الإسلام للناس، بل سَوقهم إليها وحثهم حثاً دؤوباً على الامتثال لأحكامها، مع التخطيط للعمل الدعوي، ومتابعة النتائج وتقويمها، واستشهدت لذلك بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ التي غيرت مجرى التاريخ، وأثرت تأثيراً بالغاً في شبه جزيرة العرب وخارجها، فأصبحت جزيرة العرب ـ بفضل دعوته المباركةـ تنعم بالأمن والسلام والحرية والوحدة والازدهار العلمي والفقهي وسيادة منهج السلف وعقيدتهم، فالفقيه الداعية يصحح للمسلمين عقيدتهم ويقضي لهم على الخرافات والأوهام، وينشر فيهم العلم والفقه، ويضبط لهم نصوص الشرع ويحققها، ويرفع عن أعينهم غشاوة الجهل والتقليد الأعمى، كما يوحِّد كلمتهم ويبث فيهم روح المحبة والأخوة والوئام، ويحقق لهم الأمن والاستقرار بنشر الفضيلة ومكافحة الرذيلة، ويصلح لهم حُكَّامَهُم ورؤساءَهم، ويجدد لهم فقه دينهم ليكونوا قادرين على حل مشاكل عصرهم، ويبث فيهم دعائم الجهاد ويغرسها في نفوسهم.
وفي المبحث الثالث ذكرت مواقف للفقهاء الدعاة من سلف الأمة الصالح، كاستبسال أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في حماية الدعوة من مهدها بماله ونفسه وكل ما يملك، وحرصه الشديد على سلامتها وسلامة رسول الله e، ومنهج مصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ في دعوة أهل المدينة (مثل أسيد بن حضير وسعد بن معاذ) رضي الله عنهماـ) عندما أرسله رسول الله e إليهم كأول رسول في الإسلام لدعوة أهلها، وموقف الحسن البصري ـ رحمه الله ـ من عمر بن هبيرة في طاعته لأوامر يزيد بن عبد الملك المخالفة لشرع الله، وموقف المنذر بن سعيد البلوطي ـ رحمه الله ـ من الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد عندما توسع في بناء وزخرفة قصوره، وموقف العز بن عبد السلام سلطان العلماء ـ رحمه الله ـ من السلطان أيوب كامل عندما خرج على الناس في زينته، والأمراء تقبل الأرض بين يديه، فعاتبه وأنبه على السكوت على المنكرات والخمور في مصر.
ثم ختمت البحث بخاتمة بينت فيها نتائج البحث وخلاصة ما توصلت إليه، وأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، بتحقيق سلامة الاعتقاد والتوحيد الخالص، واتباع منهج السلف في فهم نصوص الكتاب والسنة وتطبيق أحكامهما، والاعتزاز بهما، والصبر علىأداء أمانتهما.
ثم وضعت للبحث فهارس تسهل البحث فيه، وألحقته بقائمة المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في البحث، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.