للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعلت الفصل الثالث أربعة مباحث، ففي المبحث الأول تكلمت عن دور الممارسة الدعوية في تنمية الفقه الإسلامي، وأهمية الدعوة البالغة في تنمية الفقه الإسلامي كمًّا وكيفاً، لا بتكاثر مسائله تكاثراً نظرياً محضاً، بل بانتشار الفقه المنهجي القادر على حل مشاكل المسلمين ومخاطبتهم بلغة عصرهم وواقع حياتهم، وزيادة من يطبقه في الأمة لكل ما يعرض لهم من أمور دينهم ودنياهم، وتحكيمه في كل المجالات وعلى المستويات كافة، والتنمية الفقهية بممارسة العمل الدعوي تنمية مستمرة باستمراره، تُنَقِّح الفقه وتصحح مساره بحيث يتفاعل مع الواقع، وتتطالبه ببيان شرع الله في كل ما يستجد في حياة المسلمين، وعدم الوقوف على ما انتهى إليه السابقون.

وفي المبحث الثاني تحدثت عن دور الدعوة في حماية الفقه الإسلامي، وأنها وحدها القادرة على حماية شرع الله من التعطيل والإهمال، كما تحرسه من العابثين بنصوصه ومفاهيمه ومناهجه القويمة، ولا يكون ذلك إلا على أيدي دعاة مخلصين أَكْفَاء باعوا أنفسهم لله واشتروا الآخرة، واستشهدت لذلك بصمود الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أمام محنة خلق القرآن، حيث استطاع أن يحفظ للأمة عقيدتها بصموده وثباته، وما كان الإمام أحمد ليتراجع، أو يستخدم التقية مع المعتزلة، لأنه إمام متبوع، وإلا لضل الناس وفسد اعتقادهم، فتحمل ـ رحمه الله ـ الضرر الخاص في سبيل تحقيق المصلحة العامة العظمى، وما كان من سبيل إلى حماية الحق ونشره إلا بالخضوع للبلاء والامتحان في بدنه، كما استشهدت أيضاً بدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وثباته على منهج السلف في الأصول والفروع، وحرصه الشديد على الدعوة إلى هذا المنهج دون التخلي عنه تحت أيّة ضغوط، فحماية الفقه ليست بحماية مسائله فحسب، ولكن بحماية المنهج القويم في فهم النصوص على طريقة سلف الأمة، من العدول عنه إلى غيره أو محاربته أو الجمود على مناهج المتأخرين المخالفة لمنهجهم، وهكذا كان موقف ابن تيمية عندما أُمر بالعدول عن منهجه الاجتهادي، الذي كان يرى أنه على طريقة السلف، فلم يرده عن منهجه تهديد أو حبس.

وفي المبحث الثالث تحدثت عن دور الدعوة في تحقق الرسالة الأصلية للفقه الإسلامي، فمقاصد الشريعة الإسلامية لا يمكن تحقيقها بحال من الأحوال إلا بالدعوة إلى الله ـ تعالى ـ، فالعبودية لله وحده وتهذيب السلوك والأخلاق والرحمة والتراحم والعدل وتحقيق مصالح العباد مبادئ سامية رفيعة، استطاعت الدعوة وحدها تحويلها إلى واقع عملي ملموس في حياة الناس.

وفي المبحث الرابع تحدثت عن ثمرة الدعم الفقهي للدعوة الإسلامية، إذ أن الفقه يمكن الدعوة من تحقيق مقاصدها وأهدافها، كما أنها تستمد قوتها وثباتها واستمرارها من فقه القائمين عليها، فالدعوة الواعية المتحصنة بالفقه قادرة على تحقيق مرضاة الله ـ تعالىـ، وعلى التصدي للمتربصين بالإسلام، والمشككين في مصداقيته.

وفي الفصل الرابع تكلمت عن الفقيه الداعية، وجعلته في ثلاثة مباحث، تحدثت في المبحث الأول عن صفات الفقيه الداعية, وأن الله قد جمع له صفات أهل الفقه وأهل الدعوة، فآتاه الله مع العلم شرف تَحَمُّل مسئولية نشره وتبليغه، فصفاته التي لا يكتسبها بقراءة الكتب وحفظ معانيها لغة واصطلاحاً فحسب، بل بدعوة الناس ومخالطتهم والصبر على أذاهم، وتدريب النفس على اكتسابها، فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>