وفي الفصل الثاني تكلمت عن آثار التفقه على الداعية، وجعلته في ثلاثة مباحث، تحدثت في المبحث الأول عن قدرة الداعية على استيعاب المدعو بالتفقه في الدين، وعرّفت الاستيعاب لغة، ثم بينت أن المراد منه في البحث القدرة على أسر قلوب المدعوين واجتذابهم إلى الدعوة على اختلاف عقولهم وأمزجتهم وثقافاتهم ومشاربهم وطبقاتهم الاجتماعية، وبينت أهمية الاستيعاب في الدعوة، وأن نجاح الداعية مرتبط بقدرته على الإيغال في نفوس المدعوين، ومعرفة الوسيلة الأمثل لسَوْقهم إلى تطبيق شرع الله في حياتهم، وأن هذا يحتاج إلىعلم راسخ ومهارة شخصية وخبرة وتجربة، وأن القدرة على الاستيعاب تختلف من داعية إلى آخر، إلا أن كل داعية لا بد أن يتمتع بحد أدنى من القدرة على استيعاب المدعوين، وإلا كان مُنَفراً عن دين الله، فمهما كان حال المدعو من قوة أو سلطان أو ضعف أو فقر أو غنى أو صحة أو مرض أو كفر أو معصية أو إيمان يستطيع الداعية بفقهه ومهارته أن يستوعبه في دعوته، وأن يصل إلى أعماق نفسه، واستشهدت لذلك بقدرة سعيد بن المسيب على استيعاب الحجاج بن يوسف الثقفي مع قوته وجبروته، عندما أخذ يسابق الإمام في الركوع والسجود، ثم بينت حاجة الدعوة الملحة إلى تفقه الدعاة القائمين عليها، خشية أن يلحقوا بها الأضرار من حيث لا يشعرون، وعظم أثر التفقه على قدرات الداعية في تأدية مهمته على الوجه الذي يرضي الله تعالى، إذ به يستوعب المدعوين في الإسلام، ويبشرهم ولا ينفرهم، ويجمعهم ويؤلف بينهم ولا يفرقهم، وينصرهم ولا يخذلهم، ويُكْرِمهم ولا يحتقرهم، فيحقق لهم خيري الدنيا والآخرة.
وفي المبحث الثاني تحدثت عن وقاية الداعية العثرات والزلات بالتفقه في الدين، فلا يتخبط في دين الله بالتقول على الله ورسوله بغير علم، أو بالغلو في الدين والتشدد فيه، بما يخالف شرع الله، ولا يخذل أي دعوة ـ لها وجهة شرعية مقبولةـ وإن كانت لا تروق له، وبينت حاجة الأمة إلى تكامل الجهود الدعوية، بحيث يُكَمِّل كل داعية جهود أخيه، ولا يكون حجر عثرة في طريق دعوته بسبب تنافس أو تحزُّب أو تحاسد أو تباغض، لأن ذلك يسبب تساقط الجهود الدعوية، وإضعاف أثرها في الأمة، والدعاة العاملون في الساحة لم يستوعبوا بعد حجم الأمة الهائل بالنسبة لقلة أعدادهم، فليس من الحكمة ولا من مصلحة الدعوة أن يزيد الداعيةُ الدعوةَ ضعفاً وخوراً بإبطال دعوة الآخرين، والتي لها وجهة شرعية مقبولة.
وفي المبحث الثالث تحدثت عن التخطيط والاستمرارية والثبات كثمرة من ثمرات التفقه في الدين، الذي يمكِّن الدعوة من تحقيق أهدافها ومقاصدها في هداية الناس إلى طريق الحق والرشاد، كما تتمكن من الاتساع والانتشار والصمود أمام المحن والشدائد.
وفي الفصل الثالث تحدثت عن تبادل الدعم بين الدعوة والفقه، والحاجة المساة إلى تضافر الجهود الدعوية والفقهية لتحقيق أهداف كل منهما، فلا يمكن أن تؤتي جهود العاملين في الحقلين ثمارها بمعزل أحدهما عن الآخر.