ب- وحدة الأديان: باعتقاد صواب جميع صور التدين، وانتمائها إلى حقيقة واحدة، وإن تنوعت مظاهر العبادة. فهذه المرتبة تستلزم المرتبة السابقة، وتزيد عليها الدعوة إلى التخفيف من الخصائص العقدية والتشريعية، في سبيل الانضواء تحت وحدة صغرى كالإبراهيمية، أو كبرى كالإنسانية. ويمثل هذا الاتجاه محاولات المفكر الفرنسي روجيه جارودي.
ج- توحيد الأديان: بجعل الدين واحداً، إما بالالتقاطية التي تستمد عناصر الدين الجديد من مصادر شتى، كما هو الحال في (المونية)، أو بالسعي لاجتذاب الآخرين نحو عقيدة معينة لأحد الأديان، كمحاولات جماعة (كريسلام)، الرامية إلى التوحد حول (تأليه المسيح).
ولا ريب أن الصورة الوحيدة الصحيحة لتوحيد الأديان، أن يتحد جميع أتباع الديان والملل والنحل على الدين الحق الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، دين الإسلام، الذي لا يقبل الله ديناً سواه.
١٠ - مصطلح (الحوار)، قد يراد به (حوار التقريب) بين الأديان، وقد يراد به (حوار التعايش) بين أتباع الأديان، لتحقيق مصالح مشتركة من أمور المعايش. فهو بالمعنى الأول مذموم مطلقاً، وبالمعنى الثاني يخضع للسياسة الشرعية للأمة.
١١ - نشأت دعوة التقريب بين الأديان في العصر الحديث، وترعرعت في حجر النصارى الغربيين، على اختلاف طوائفهم. وانطلقت المبادرات الأولى من المرجعيتين الكبيرتين لنصارى العالم: الكنيسة الكاثوليكية، ومجلس الكنائس العالمي، وذلك لبواعث شتى: تنصيرية، وعالمية، وسياسية، ولصد المد الإسلامي أمام العالم المفتوح في أعقاب الحربين العالميتين. وأسس كل منهما دائرة مستقلة للحوار مع غير النصارى.
وقد دار في أروقة الفاتيكان، واجتماعات الجمعية العمومية لمجلس الكنائس العالمي جدلٌ عميق، حول معضلة الجمع بين الحوار والبشارة، انعكس على فاعلية واتجاه حركة التقريب. ويمكن تمييز مراحل ثلاث في موقف النصارى من حوار التقريب:
أ- مرحلة تجربة الحوار: وقد سادت منذ نهاية المجمع الفاتيكاني الثاني حتى أواخر السبعينات الميلادية، وكانت متأثرة بقرارات المجمع التقاربية، وشخصية البابا بولس السادس، وسيادة الاتجاه الاشتمالي الاحتوائي في مجلس الكنائس العالمي. وامتازت بعقد العديد من المؤتمرات العالمية والإقليمية، وإعداد الدراسات.
ب- مرحلة تقويم الحوار: وقد امتدت من أواخر السبعينات إلى أواسط الثمانينات الميلادية، وانحسرت فيها مؤتمرات الحوار بشكل ملحوظ.
ج- مرحلة البشارة من خلال الحوار: وقد أعقبت المرحلة السابقة، بعد أن تغلب التيار المحافظ في الكنيسة الكاثوليكية، والتيار الحصري الضيق في مجلس الكنائس العالمي، الداعيان إلى تدعيم التنصير، واستغلال الحوار للأغراض التنصيرية. وقد واكب ذلك تسنم البابا يوحنا بولس الثاني سدة البابوية، وقيامه بنشاط دؤوب في تعزيز مكانة الكنيسة في شتى أرجاء العالم، مع الحفاظ على شعار الحوار إعلامياً.
١٢ - تأخرت دعوة التقريب بين الأديان لدى النصارى العرب، من أتباع الكنائس الشرقية، والاتحادية الغربية، إلى ما بعد انتهاء الحرب اللبنانية، باستثناء شواهد قليلة، وظلت مفتقدة بالنسبة لأكبر طائفة نصرانية في البلاد العربية، القبط. وركزت محاولات النصارى العرب، لبواعث أمنية واجتماعية، على قضيتين: هما:
• محاولة إثبات أن النصارى المذمومين في القرآن، فرقة منقرضة، وأن أحكام الكفر لا تطالهم، ومحاولة فلسفة عقيدة التثليث والبنوة بما يرفع عنها وصمتها.
• حوار التعايش، وتحقيق مكاسب اجتماعية، وحريات دينية، والقيام بدور الوسيط في الحوار الإسلامي- النصراني مع الغرب، تعويضاً عن الفراغ الناجم عن تراجع القومية العربية.