١٣ - تتناقض فكرة التقريب بين الأديان مع اليهودية الأرثذوكسية بشقيها: التقليدي العنصري، والأصولي السياسي في إسرائيل. وتتقبلها اليهودية الإصلاحية في دول الشتات، لبواعث مصلحية بحتة: اجتماعية، وسياسية، كما في الولايات المتحدة الأمريكية.
١٤ - نشأت محاولات محلية واسعة، في العديد من مناطق العالم التي تقطنها جماعات دينية متنوعة، للتقريب بينها، وإشاعة المبادئ الفكرية التي نادت بها دعوة التقريب بين الأديان، إما لتخفيف حدة التوتر والعنف الطائفي، كما في لبنان، والسودان، والفلبين، أو لتحقيق مكاسب تنصيرية كما في شبه القارة الهندية (الهند، باكستان، بنجلاديش، بالإضافة إلى سيريلانكا)، وأرخبيل الملايو (ماليزيا وأندونيسيا)، أو لاستيعاب المهاجرين الجدد من المسلمين، ودمجهم في المجتمعات النصرانية المضيفة، كما في أوربا وأمريكا. وتشرف على هذه المحاولات المحلية جهات حكومية وأهلية ودينية.
١٥ - استجاب لدعوة التقريب بين الأديان نفر من المسلمين ذوي الثقافة العصرانية، المتحررين من ضوابط العقيدة الإسلامية، فضاهئوا النصارى، ومالئوهم وداهنوهم، وأقروا لهم- غالباً- بوصف الإيمان، ورددوا أصداء قرارت المجمع الفاتيكاني الثاني. وقد أعوزهم ذلك إلى اعتساف الأدلة، وتأويل الثوابت العقدية، وليّ أعناق النصوص، إما لبواعث انهزامية أمام الاتجاهات الفكرية الحديثة، أو لبواعث قومية وطنية مراعاة للنصارى العرب، أو بدعوى مواجهة الإلحاد، أو حتى لمجابهة إسرائيل.
١٦ - برزت محاولات فردية متميزة في العصر الحديث، لتعزيز فكرة التقريب بين الأديان والدعوة إليها، جمعت بين الجانب النظري، والنشاط العملي، منها:
أ- محاولات المفكر الفرنسي روجيه جارودي، الذي زعم الانتساب إلى الإسلام، ثم نادى بتاريخية الشريعة الإسلامية وما تقوم عليه من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وهاجم علماء الإسلام، ودعا المسلمين إلى الانخراط أولاً في (الإبراهيمية) مع اليهود والنصارى، ثم إلى (الإنسانية) ثانياً، مع سائر ملل الملاحدة والوثنيين، وابتدع قراءة شاذة للتاريخ الإسلامي وتقويم أعلامه، ومشروعاً مستقبلياً للتحلل من الإسلام عقيدة وشريعة. وبذل في سبيل ذلك جهوداً فكرية وعملية.
ب- محاولات الأب الأسباني، المنصر في جماعة الآباء البيض، آميليو غاليندو، مؤسس مجموعة كريسلام، الذي يسعى لجعل الإيمان بألوهية المسيح محوراً لالتقاء الأديان.
ج- محاولات المتنبئ الكذاب المليونير الكوري صن مون، الداعي إلى انخراط الأديان تحت دعوته، والذي ينفق نفقاتٍ باهظة إلى عقد المؤتمرات العالمية لتوحيد الأديان.
د- محاولات الشيخ أحمد كفتارو العلنية للتقارب مع النصرانية خاصة، والملل الأخرى عامة، تحت مسمى (الروحانية)، والقيام بالرحلات، والكتابات في هذا السبيل.
١٧ - دلت النصوص الشرعية القاطعة على بطلان (دعوة التقريب بين الأديان)، لأن دين الله واحد هو الإسلام الذي ابتعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وما سواه إما باطل أو منسوخ. فمن رام التقريب بينه وبين غيره، فقد رغب عن ملة إبراهيم، وابتغى ديناً غير دين الإسلام، وطعن في صدق محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته، وأنكر هيمنة القرآن على الكتب السابقة، ونسخه لأحكامها، وخالف إجماع المسلمين، واتبع غير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين، ووالى أعداء الدين، واتبع أهواءهم، وسقط في الفتنة عن بعض ما أنزل الله، وداهن في دين الله، ولبّس الحق بالباطل، ووقع في الصد عن سبيل الله. وكلها لوازم لا محيد لدعاة التقريب عنها. وفسادها معلومٌ من الدين بضرورة. وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم، وبطلان الفرع يعود على الأصل بالإبطال.