للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨ - دل الواقع العملي المشاهد، خلال فورة دعوة التقريب بين الأديان في العقود الأربعة المنصرمة على ظهور بعض النتائج والآثار الملموسة، الناجمة عن تجربة التقريب، كالتسوية بين كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن، والكتب المحرفة المنسوبة إلى أنبياء الله، التي بأيدي اليهود والنصارى اليوم، ووصفها جميعاً بـ (مقدسة) و (سماوية) و (كلام الله). وكذلك التسوية بين بيوت الذكر والرحمة؛ المساجد، وبيوت العذاب والشرك، من معابد اليهود والنصارى والمشركين، ومشاركتهم في صلواتهم، واحتفالاتهم الدينية والفكرية، وإقامة المؤسسات البحثية المشتركة بين الأديان، بغرض تنقية المناهج الدراسية، والوسائل الإعلامية من النقد المتبادل، ورفع الأحكام العقدية والشرعية في شأن أهل الكتاب، واستلال اعترافات صريحة وضمينة من نظرائهم المسلمين على صحة دينهم وكتبهم، وإعادة عرض الإسلام بصورة مشوهة خداج، كالتصوف الباطني. ومع ذلك كله، لم يحد النصارى قيد أنملة عن معتقداتهم، فلم ينتهوا عن قولهم (ثلاثة)، ولا عن غلوهم في الدين، وأصروا على إنكار نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى المضي في تضليل الخلق بما يسمونه (التبشير)، مستغلين الفاقة المعيشية، والصحية، والأمنية، لكثير من شعوب العالم الثالث -وغالبيتهم مسلمون- ولتحقيق مكاسب جديدة، ومواطئ أقدام لمنصريهم، وإقامة كنائسهم، تحت شعار التقارب والحوار والتسامح.

وفي الوقت ذاته لا يكفون عن موالاة بعضهم بعضاً وموالاة اليهود والمشركين على الظلم والعدوان ضد المسلمين، وإحياء مطامعهم القديمة في القدس. وكل هذه الآثار والنتائج الواقعية، ثمار فجة لدعوة التقريب، شواهدها ماثلة لا يمكن إنكارها.

١٩ - إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب. وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان. وبناءًا على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمةٌ قطعاً، بجميع أدلة التشريع في الإسلام، من قرآنٍ وسنةٍ وإجماع ..

وتأسيساً على ما تقدم: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها) (١).

٢٠ - إن المنهج الشرعي في مخاطبة أهل الكتاب هو دعوتهم إلى سبيل الله المتضمن:

أ- تحقيق توحيد العبادة، ونبذ الشرك بجميع صوره. وهذا هو المراد بـ: (كلمة سواء).

ب- ترك الغلو في الدين، والقول على الله بغير الحق، من التثليث، وتأليه المسيح، ودعوى بنوة المسيح وعزير لله تعالى، وتعظيم الصور والتماثيل ... إلخ.

ج- الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه.

د- الإيمان بالقرآن، ونسخه لما سبقه من الكتب.

أما أسلوب هذه الدعوة فيقوم على ثلاثة أوصاف: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما جاءت مبينة في القرآن، وفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما وسائل ذلك فمتعددة، وأشرفها الوسائل النبوية التي دلت عليها سيرته العطرة، كغشيانهم في محافلهم ومناسباتهم، لدعوتهم دعوةً صريحةً مباشرة إلى الإسلام، واستدعائهم إلى دار الإسلام لهذا الغرض، ومكاتبة زعمائهم الدينيين وغيرهم، واستقبال وفودهم استقبالاً حسناً لدعوتهم ومحاجتهم، وجهادهم بالسيف حتى يقبلوا الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

وفي عمل الأمة الإسلامية عبر القرون، وطريقة السلف الصالح، ترجمة لهذه المقاصد الإيمانية، والوسائل الشرعية، وبيان لسبيل المؤمنين، والصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين.


(١) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية رقم (١٩٤٠٢) في ٢٥/ ١/١٤١٨هـ انظر: النص الكامل في قسم الملاحق رقم (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>