ولو طالعنا صفحات التاريخ الإسلامي البشري لوجدنا أن الأعمال الكبرى التي تمت فيه قد بدأت الدعوة إليها في أغلب الأحيان من المسجد ففي المسجد صدرت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والحكام وفيه كتب كتاب الوحي كتاب الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه كانت توضع الخطط وترسم المناهج ويعين الولاة وأمراء الجيوش، كما كانت تتقبل فيه البيعة من الناس ومنه يعلن الخليفة سياسته للمسلمين، بل أكثر من هذا نرى أن المسجد قد استخدم لأغراض أخرى غير ما ذكر، حيث خصص جزءاً منه مستشفى يعالج فيه المصابون، كما حصل في غزوة الأحزاب وكما حصل في جامع أحمد بن طولون في مصر حينما خصص جزء منها بيمارستاناً يعالج فيه المرضى بالإضافة إلى صيدلية يصرف منها العلاج. كما كان يتخذ مجالا للتعليم والتقويم الاجتماعي. وعلى الإجمال فإن رسالة المسجد تستمد رسالتها وجوهرها من رسالة سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، ورسالته عليه الصلاة والسلام كانت رسالة شاملة تهدف إلى إصلاح العبد فيما بينه وبين ربه، وإصلاحه فيما بينه وبين نفسه، كما كانت تهدف إلى إصلاح طبقات المجتمع والرفع من شأنها، والدفع بها في ميدان العمل الصالح البناء ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعا مثاليا، حتى يتحقق فيه وينطبق عليه ما أراده الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة من أن تكون خير أمة أخرجت للناس، يقول الله تبارك وتعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}[سورة آل عمران:١١٠]؛ ففي المسجد يشعر المؤمن بكرامته التي كرمه الله بها، وأنه متساو في الحقوق والواجبات مع جميع من يجلسون معه، سواء كانوا حكاما أو محكومين، أغنياء أو فقراء، جهالا أو علماء فهم واحد من كل ولا ميزة لأي واحد إلا بالتقوى يقول تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[سورة الحجرات:١٣]، ويقول عليه الصلاة والسلام:((لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)). ومن المسجد أيضا تنطلق الدعوة إلى الله صارخة هادفة موضحة مبينة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[سورة الأنفال:٢٤]، نعم لقد أدى المسجد في الإسلام دورا خطيرا في التوجيه والإرشاد والدعوة وإصلاح البشر وتربيتهم، وتقوية الشعور الديني، وتدريب المصلين من المؤمنين على الأعمال الجماعية التي يدعو إليها الإسلام، والحفاظ على الوحدة الإسلامية حقيقة ومظهرا، وما صلاة الجماعة التي تعقد خمس مرات في اليوم والليلة في المسجد ويحضرها كل من وجبت عليه في الحي إلا دليلا حيا على ذلك.