وعلى المسلم أن لا يعيش لنفسه، وإنما يجب عليه أن يتعاون مع إخوانه فيما يخدم الصالح العام للأمة الإسلامية، إذ يقول تبارك وتعالى:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[سورة المائدة:٢]، وليس من شك في أن المسجد هو الأساس لكل نهضة وإصلاح، في إطار الأمة الإسلامية التي أشرقت على الدنيا من خلال المسجد، شمس هداية ونور معرفة، ورائد حضارة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وهي مؤهلة اليوم وفي كل يوم إذا ما عرفت كيف تعيد إلى هذا المنطلق قوته وتأثيره في البعث والتجديد والقيادة الصحيحة للبشرية قاطبة، بعد أن أوردتها الحضارة الغريبة موارد الدمار والهلاك والضياع، وإن نظرة واحدة فاحصة إلى مراحل الدعوة الإسلامية تاريخيا تبين بما لا يقبل الشك والجدل أهمية دور المسجد ورسالته العظمى في بناء الأمة بناء قويا سليما يضطلع عن جدارة واستحقاق بأعباء المسيرة وإيصالها إلى الهدف المنشود، وهو سعادة الدارين، فلقد كان بناء المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة أول أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وصوله مهاجرا إليها لأن المسجد هو بيت الله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[سورة الجن:١٨]، وهو بيت المسلمين أيضا. هو بيت الله؛ إذ لا يذكر فيه معه أحد ولا ينسب إلا له عز وجل. وهو بيت المسلمين؛ لأنه مستقرهم وحرمهم ومأمنهم وطمأنينتهم، ففيه وحدة صفتهم ورأيهم ومشورتهم، وفيه اجتماعهم، والمسجد ليس حجارة ترفع وأعمدة تشاد وتعلو، أو زينة تملأ الجدران، بل قلوبا متعاطفة عامرة بالإيمان وعقولا نيرة تنعم بالعلم والمعرفة، وأرواحا تصقل وتهذب، وجنودا يعبّأون لرسالة الحق.
من كل هذا: نريد عودة المسجد بصورته الأصلية المشرقة، ورسالته السامية النظيفة، ودوره الصحيح السليم، كي تتفاعل معه حياتنا علما وفهما وتطبيقا، فنستعيد مركزنا القيادي في الوجود البشري، والواقع الحضاري الإنساني، وبغير المسجد علما وتعلما وتأثرا لن نصل إلى ما نريد لأن المسجد من حيث الرسالة هو الإسلام، والإسلام وحده هو باب الحياة الفاضلة. إذا فمن واجب المسلمين أن يعيدوا إلى المسجد وظيفته ومهابته وحيويته حتى يصبح مصدر إشعاع يرشد فيعلم ويهدي فيقوم ويحض على المكرمات ويعلم الناس كيف يعملون لدنياهم كأنهم يعيشون أبداً ويعملون لآخرتهم كأنهم يموتون غدا. فرسالة المسجد إذا ضخمة متشعبة الجهات، متنوعة الأهداف، فيها الخير كل الخير للدين والخلق والثقافة، وسلامة الأبدان، وتقويم ما اعوج من شئون المجتمع إذا أحسن أداؤها.
لهذا نرى أنه من الواجب علينا أن نستجيب لهذه الأصوات التي تنبعث من هذه المساجد كل يوم خمس مرات، تدعو الناس إلى الصلاة، ثم تدعوهم بعد ذلك إلى الفلاح، ولن يكون هناك فلاح بمعناه الحقيقي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا إذا أعادت للمساجد رسالتها العظيمة في خدمة العلم والدين، فتصبح المساجد معابد يذكر فيها اسم الله، وتقام بين جنباتها شعائر الدين واللغة العربية وفي وجوب العودة إلى ما كانت عليه المساجد في العهود السابقة يقول البعض في هذا أثناء حديثه في مؤتمر رسالة المسجد.