أيها الأخوان عودوا بالمساجد إلى ما كانت عليه في عهود أسلافكم الأمجاد، أعيدوا إليها الحياة العلمية. وضعوا لها المناهج الدراسية، وأعدوا لها المدرسين والوعاظ والمحاضرين، ولا يعني ذلك أن تنقل إليها الدراسة التي بالمدارس والمعاهد الثقافية، ولا أن تكون بديلا عنها وعن الجامعات، فلكل طريقه في الحياة العلمية والعملية، ولا أن تبخس حظها من ذلك أو تهضمه حقوقها، إن للدراسة بها روحانية توثق الصلة بين العلم والعمل، فاجعلوها مصدر بلاغ وبيان، ومبعث حياة للقلوب ونور للبصائر، وتهذيب للنفوس والأخلاق، يكتب الله لكم القوة والنصر، ويتم عليكم نعمته.
ترى هل في استطاعة مسلمي اليوم أن يعيدوا إلى المسجد رسالته ومكانته العلمية التي فقدها منذ قرون أم ليس في استطاعتهم ذلك؟ الإجابة في نظري على هذا التساؤل سهلة وميسرة؛ فإذا تمكن المسلمون من إعداد نماذج طيبة من الدعاة الحقيقيين المخلصين الذين يحملون كفاءة علمية وفكرية وروحية وخلقية دعاة إلى الله بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى ثم حملوا هذه الأمانة بكل صدق وإخلاص نبراسهم في هذا تحقيق قول الله تعالى فيهم:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ}[سورة آل عمران:١١٠]، إذا تحقق هذا كله فإنه سيتبدل خوفهم أمنا، وضعفهم قوة، وهزائمهم نصرا، وسيعود المسلمون كما كانوا من قبل، ليكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليهم شهيدا.
وقبل هذا كله فإن المسلمين إن أخلصوا دينهم لله، واجتمعت كلمتهم على الحق، وترسموا خطى النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وعاشوا في ضوء هدايته، فإن باستطاعتهم أن يعيدوا إلى المسجد عظمته وبهاءه التي تمتع بها قرونا عديدة. وليس مؤتمر رسالة المسجد الذي عقد في مكة المكرمة في عام ١٣٩٥هـ، والقرارات والتوصيات التي اتخذها المؤتمرون إلا بادرة خير أريد بها إعادة المجد والعزة للمسجد في عصوره الأولى التي فقدها {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[سورة الروم: ٤ - ٥].
هذه دراسة أقدمها للقارئ الكريم أرجو أن أكون قد وفقت في عرض بعض الحقائق عن الأدوار التي اضطلع بها المسجد في عصور الإسلام المتتالية، في جوانب متعددة، سواء العلمي منها أو السياسي أو الاجتماعي بالإضافة إلى الديني.
ولا يعني هذا أنني أدعي الوصول إلى الكمال في هذا البحث، وإنما أعتقد أنه ما زال بحاجة ماسة إلى معالجة ولكن هذه لبنة أضيفها إلى لبنات تحدث عنها من سبقني في هذا الموضوع. تلك الدراسة ما هي إلا مجرد نافذة أفتحها لمن يريد أن يطرق هذا الموضوع ويحاول فتح نوافذ جديدة يصل من خلالها إلى كثير من الحقائق التي لم يكشف عنها بعد.
والله أسأل مخلصا له الدين، أن يجعل عملنا خالصا لوجهه، وأن يمن علينا بالتوفيق والسداد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.