فإذا اتضح الدليل الأقوى والحجة الأبين في رؤية الحقيقة والعدالة فإنه واجب الاتباع يمضيه المسئول سواء كانت معه الأكثرية أو الأقلية، وما دام هذا الأمر في نطاق مسئوليته وأمانته. ونطاق المسئولية والأمانة محددة في إطارها العام في منهاج الله. ولكن الصياغة التنفيذية تحدد تفاصيل هذه المسئولية والأمانة لكل مستوى من المستويات. وتظل هذه السياغة جهداً بشرياً قابلاً للنمو والنضج مع مداومة الممارسة واستمرار الجهد ولا يمضي المسئول رأياً دارت حوله الشورى إذا لم يحمل معه الحجة والبيّنة وإذا لم يتم رده إلى منهاج الله رداً يستوعب الشروط الإيمانيةكلها.
ولكم كان الخلفاء الراشدون يلجأون إلى الله سبحانه وتعالى دعاءً وابتهالاً، وصلاةً واستخارةً، وكم كانوا يجهدون فكراً وتدبراً، ودراسة وتمحيصاً حتى يتلمسوا وجه الحق هنا أو هناك والله سبحانه وتعالى يهدي عباده المؤمنين وهم يجهدون ويجاهدون، ويدرسون ويتدبرون، ويدعون ويبتهلون، ويعبدون ويستخيرون.
٦ـ إن الشورى المؤمنة، وهي تمتد في حياة الأمة المؤمنة، تصبح مدرسة تصقل المواهب، وتنمي الزاد، موهبة الإيمان وزاد التقوى. إن الشورى في ممارستها الحقيقية مدرسة عظيمة في حياة الفرد وحياة الأمة.
٧ـ ومن ناحية أخرى فإن الشورى المؤمنة تحتاج إلى رعاية وتدريب، ومراقبة وتوجيه، أثناء الممارسة الإيمانية وبذلك تكون هي مصدر تدريب وإعداد من ناحية، وتحتاج إلى تدريب وإعداد من ناحية أخرى.
إن كثيراً من قواعد الإيمان تحتاج إلى هذه الرعاية من مدرسة الإسلام حتى تصدق النفوس عليها.
٨ـ عند ممارسة الشورى في أي مستوى، أو أي مجال، فإننا لا نمارس قاعدة إيمانية واحدة ولكننا نمارس الإيمان بقواعده المترابطة المتناسقة. إننا نمارس صدق الأخوة، وخالص النصح، وطيب الكلمة، والابتعاد عن الغرور والكبر والغلو والتفريط، ونمارس السمع والطاعة، ونمارس قواعد كثيرة أخرى يستدعيها الموقف المعين من كظم للغيظ أحياناً، ومن سماحة ولين، أو قوة وشدة، أو رحمة ورأفة، أو أمر بمعروف ونهي عن منكر ... وهكذا فإن ممارسة الشورى هي ممارسة واسعة للإيمان. ولذلك تحتاج إلى إعداد وتدريب، ومراقبة وتوجيه، حتى تجمع ممارسة الشورى هذه القواعد الإيمانية الممتدة في موازنة أمينة، ونهج نظيف، ووضوح مشرق.
إنها تكون بذلك قاعدة من قواعد مدرسة الإسلام، وجامعة القرآن، وساحة الإيمان.
٩ـ تمتد ساحة الشورى حتى تشمل الأمة المؤمنة أو معظمها، وتضيق حتى تشمل أفراداً. ويحدد ذلك عدة أمور أهمها: الواقع البشري، القضية المطروحة، ظروف الأمة المؤمنة وحالاتها الطارئة، الطاقة البشرية المتخصصة والمؤسسسات الإيمانية المتخصصة، والتنظيم الإداري، ومستويات المسئولية والأمانة، كل ذلك من خلال منهاج الله وعلى أساس هديه ونوره، والطاقة الإيمانية العاملة في الأمة. ولكن الشورى لا تسقط عن الأمة المؤمنة أبداً مهما ضاقت بها الظروف أو اشتدت بها المحن. ومن هنا تكون مسئولية الجهد البشري المؤمن أن يتجاوب مع كل ظروفه ليلبي داعي الشورى المؤمنة وفقاً لقواعد منهاج الله فلا تتعطل أبداً، ولا تتعطل المواهب.
١٠ـ الشورى جهد ودراسة ومعاناة. إنها أمانة. إنها من أخطر صور الأمانة. إنها لا تخرج نتيجة استرخاء وراحة، وإمعة ولا مبالاة. إنها مسئولية في الدنيا والآخرة. إنها توجب أن لا يخرج الرأي إلا مستكملاً لعناصرة الإيمانية، حتى لا تتحول إلى فتنة وفساد، وفرقة وشقاق.
١١ـ للشورى أهلها ورجالها يتميزون بخصائص إيمانية توّفي الجهد والمسئولية والأمانة. وهذا يستدعي في المجتمع المؤمن أن يعرف المؤمن حدوده فلا هو يتجاوزها بطغيانه وكبره، ولا هو يقصر عنها بلهوه واسترخائه.