١٢ـ إن ممارسة الشورى في أي مرحلة أو عصر أو مستوى تحتاج إلىصياغة تنفيذية تحقق من خلال ممارستها أهداف الشورى ووسائلها، وأساليبها، ومنطلقها، وتظل هذه الصياغة التنفيذية نامية قوية، في أمة نامية قوية، تنمو وتنبغ كما تنمو الأمة وتنبغ، وتقوى وتسود كما تقوى الأمة وتسود. وتمضي في نموها، ونبوغها وقوتها، وسيادتها، تحافظ على جميع خصائص الإيمان، وأسس الشورى الإيمانية، وقواعد الممارسة الإيماينة، سواء في الصياغة أو الممارسة.
١٣ـ حين نقول: إن الشورى الإيمانية تقوم أولاً وقبل كل شيء على قواعد المنهاج الرباني، فإن المنهاج الرباني يمثل النهج العام والتخطيط الكامل، لكل عصر، أو قوم، أو جيل ومع هذا النهج العام والتخطيط الكامل يجب أن يكون للدعوة والأمة نهجاً مرحلياً وتخطيطاً واقعياً، وينبع من النهج العام والتخطيط العام، ينبع من منهاج الله ويناسب الواقع الذي تعيشه الدعوة أو الأمة.
وهذا النهج المرحلي يجب أن يكون لكل ميدان، وكل ساحة، وكل اختصاص، وكل ممارسة، وكل وجه من أوجه النشاط. ولقد رأينا ذلك في سيرة الرسول e والخلفاء الراشدين. وهذا النهج المرحلي بخصائصه الإيمانية يكون قاعدة من قواعد الشورى المؤمنة، وضرورة من ضروراتها.
١٤ـ إن الاختصاص العلمي ضروري وواجب في حياة الأمة الإسلامية أو الدعوة الإسلامية. ويجب أن يمتد التخصص العلمي إلى جميع آفاق النشاط البشري من اقتصاد، واجتماع، وسياسة، وشئون عسكرية، وطب، وهندسة، وجيولوجيا, وعلوم الفضاء، إلىكل فرع، وكل اتجاه. إن هذا التخصص العلمي الممتد، القائم على أساس العلم بمنهاج الله، والعلم بالواقع، يجب أن ينتظم في حياة الأمة في مؤسسات تقوم على ممارسة الشورى وممارسة النهج والتخطيط، وممارسة نمو الجهد البشري الذي يرعاه الإيمان ويغذيه منهاج الله.
١٥ـ وبذلك لا تصبح الآراء في ميدان الشورى، آراء ارتجال، أو جهل أو ظن، أو هوى. إنها آراء تنطلق من جهد ومعاناة، وبحث ودراسة، وعلم وخبرة يقوم كله علىالإيمان ويحوطه منهاج الله.
١٦ـ وكذلك تصبح الشورى تضم صلاحيات ومسئوليات، حقوقاً وواجبات، حدوداً وميادين، تضم هذا كله بصورة متوازنة لأنها كلها مرتبطة بميزان ثابت، غير متفلتة من منهاج الله، محتفظة بكل خصائص الممارسة الإيمانية. يعرف كل فرد في الأمة أو الدعوة وسعه، وطاقته، وحدوده واختصاصه، ومنزلته ومكانه. وهو يعرف كذلك منازل الآخرين ومكانهم، وحدودهم واختصاصهم، ووسعهم وطاقتهم. وبذلك تتم الممارسة الإيمانية على موازنة عادلة أمينة، بقدر ما تحمل معها من عدالة الإيمان, وأمانة العلم، وصدق التجربة. والأمة التي لا يعرف أفرادها حدودهم ولا حدود غيرهم، والأمة التي لا يتدرب أبناؤها علىمعرفة منازلهم ومنازل غيرهم، الأمة التي تفقد هذه الخصائص، أولى بها أن تضيع مواهبها، وتموت كفاءاتها، وتتمزق قدراتها، في أجواء: الكبر والغرور، التحاسد والتناجش، التباغض والعداء، الظن والافتراء، الكذب والاعتداء، التناحر والتطاحن، الفتنة بعد الفتنة، الظلام بعد الظلام، يصنعونه بأنفسهم، ويُغذيه الشيطان... حتى تهدر الطاقات في حمى صراع مجنون، أو تيه ضياع وفتون.
١٧ـ إن للشورى أهلها ورجالها الذين يتميزون بخصائص إيمانية حقيقية لا تقوم على أي أساس جاهلي، إقليمي، عائلي، قومي... ولا على أساس هوى ومصالح، ولا على أساس ظنون وتخمين.
إن خصائص أهل الشورى الإيمانية يجب أن تكون قوية بارزة، ظاهرة معلومة، حتى تستطيع بخصائصها الذاتية أولاً أن تطرد كل أساس جاهلي أو هوى ومصالح، أوظن وتخمين.
والخصائص الإيمانية لأهل الرأي والمشورة تدور كلها حول ثلاث قضايا أساسية: