• الإيمان على ظواهره البيّنة المعلومة للناس، إيماناً يمثل ممارسة وجهداً وبذلاً.
• العلم بمنهاج الله، والوعي بالواقع الذي يجري، علماً يبرز من خلال الممارسة والتطبيق.
• الموهبة الذاتية والوسع والطاقة. موهبة صقلتها التجربة حتى برزت، ووسعاً تزود بالممارسة والتقوى والعلم حتى اتضح وبان.
وأي ميزة أخرى فإنها يجب أن تنبع من هذه الميزات.
١٨ـ ومع ذلك فإن أهل الرأي قد يمتدون حتى يشملون الأمة كلها، في أمر جامع... وقد يضيق أهل الرأي حتى يكونوا رجلاً أو رجلين، أوعدة رجال... ولقد رأينا كيف كان الرسول e يستشير أبا بكر، أو عمر، أو كليهما، وحيناً يستشير السعدين، وحيناً يحصر الشورى بالمهاجرين، وحيناً بالأنصار، وحيناً آخر بالأمة كلها في أمر جامع.
واليوم تحدد هذه الصورة على ضوء الصياغة الإيمانية النابعة من منهاج الله، والملبية لحاجات الواقع البشري المتجدد. وأهم ما يبرز في عصرنا الحالي مما يناسب هذا الموضوع هو قيام المؤسسات الإيمانية المتخصصة، التي تستطيق أن توفر الجهد والبذل والمعاناة، لتقدم الرأي الناضح المدروس مستكملاً لشروطه الإيمانية.
١٩ـ وكذلك فإن "الرأي العام" عنصر من عناصر التأثير في أجواء القرن العشرين بما يحمل من طاقات الدعاية والإعلام. وهو عنصر يؤثر في أجواء الشورى، وأجواء الشورى تؤثر فيه. فلا بد للأمة المؤمنة أن يكون لها رأياً عاماً مؤمناً، يتمتع بخصائص الأيمان، حتى تنهار كل جهود المنافقين، والمرائين، والأعداء والمفترين، والمفسدين. تنهار كل جهودهم أمام حصون الرأي العام المؤمن الذي له عقيدته وإيمانه، وله ميزانه، وله حدوده وله روابطه ووشائجه، وله شيوخه ووجوهه، كل ذلك علىأساس إيماني، رباني، قرآني. إنه "رأي عام" لا يبنى بلحظة، ولكن تبنيه الممارسة الإيمانية الشاملة، الممارسة الإيمانية الجامعة، زمناً غير يسير، يحمل التجربة الصادقة التي تتجمع بعد تمحيصها وردها إلى منهاج الله، لتصبح زاداً للعالمين، وسلاحاً للمجاهدين. فلا تضيع تجربة، ولا تطوى خبرة، لا تضيع ولا تطوى في أجواء الضياع والحيرة والظنون والشكوك، والقيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.
٢٠ـ إن أي صياغة إيمانية للشورى يجب أن تواكب الدعوة مع بدايتها وأن تستوفي منذ اللحظة الأولى جميع الخصائص الإيمانية، بقدر ما تحتاجه تلك المرحلة أو اللحظة. ثم تمضي الممارسة الأيماينة لتنمو وتمتد من خلال الجهد البشري النامي في ظلال الإيمان، وعلى أسس المنهاج الرباني. تنمو الممارسة الإيمانية وتنمو كل ميادينها، وتنمو الصياغة الإيمانية للشورى أيضاً، نمواً يلبي كل حاجات الواقع المؤمن، وأجواء الإيمان.
٢١ـ إن الصياغة الإيمانية للشورى، يجب أن توفر خصائص الشورى الإيمانية من جميع جوانبها، وأن تستكمل قواعد الشورى الإيمانية، على نسق إيماني، ونهج إيماني، وأهداف إيمانية. إن الصياغة يجب أن توضح المنطلق، والنهج والسبيل، والهدف والغاية، توضيحاً يحمل الاطمئنان إلى صدق ذلك كله، وإلى التزامه الإيماني البين، وإلى صدوره عن منهاج الله قرآناً وسنة. إن الصياغة يجب أن لا تدع مجالاً لريب، أو فرجة لشك، أو احتمالاً لزيغ، بالنسبة إلىالالتزام الإيماني.
٢٢ـ لقد عرضت سورة الشورى معظم الخصائص الإيمانية للشورى، عرضاً مستوفياً للمرحلة التي كانت تمر بها الدعوة في مكة المكرمة، حين لم تكن هنالك دولة الإسلام، ولم يكن قد نهض له سلطان. وهذا العرض في تلك المرحلة يوحي لنا بأهمية الشورى، وعظمة منزلتها، في الدعوة الإسلامية في الإيمان نفسه، في السلوك والنهج، في التربية والإعداد، في حياة الفرد أو الجماعة والأمة.