وإذا وجد الداعية نفسه غير مفيد في مكان فإنه ينتقل إلى مكان يفيد منه. وابن تيمية رأى حاجة مصر إلى ما عنده من العلم والهدى أكثر من حاجة الشام فآثر مصر بنفسه علىالشام رغم خطورة هذه الرحلة.
وقد حقق رحمه الله في رحلاته هذه كثيراً مما كان يتمناه.
٥ـ الجهاد:
قام ابن تيمية بأنواع الجهاد كله العلمي والعملي. وكان من أهداف دعوته تهيئة الأمة للجهاد وإيصالها إلى مستوى الثقة بالله ونصره للمؤمنين، وقد تحقق له ذلك، فكان النصر المبين على التتار في موقعة "شقحب" التي يعد بحق ابن تيمية قلبها النابض وشريانها المتدفق.
ومن ثمرات جهاده القضاء على أهل الجرد وكسروان وتخليص المسلمين من شرهم وغدرهم.
وقد وجد الناس ـ من الحاكم إلى أقل واحد منهم ـ في ابن تيمية حقيقة المؤمن الذي يقول ويفعل، حينما حول النظريات الجهادية إلى واقع وكان هو في مقدمته.
ولم تقم قائمة التتار بعد ابن تيمية، فأمنت مصر والشام من الداخل حينما قضى على أصحاب البدع المغلظة من الروافض وغيرهم، وأمنت من الخارج باندحار القوة التترية.
٦ـ الاتصال الجماهيري الواسع:
لتعريفهم بالداعي والدعوة وإقناعهم بالتزام مضامينها وهو من الركائز العملية المنهجية التي اختص بها شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد مارس هذا من خلال العديد من الوسائل ذات الأهمية منها:
ـ المساجد:
فقد كان يلقي فيها الخطب والدروس وكان يناظر بعض المبتدعة فيها منكراً عليهم ما يفعلونه من بدع يضللون بها الناس.
ـ المدارس:
فقد تولى التدريس في بعض المدارس في دمشق ومصر. وإذا لم يتولاه بنفسه فإنه كان حريصاً على أن يولي من يثق بكافاءته وسلامة فكره.
ـ السجون:
وخصوصاً في مصر حيث حوّل السجون التي دخلها في مصر إلى قلاع للدعوة، فلما دخل سجون مصر وجد السجناء في ضياع وقت ولعب ولهو، فجدّ معهم حتى حوّلهم إلى تلاميذ له، وكثير منهم يرفض الخروج من السجن ويرغب البقاء فيه مع ابن تيمية لما وجد من العلم والعمل والخير الواسع. بل إنَّ بعضهم كان يخرج ثم يعود إلى السجن يطلب أن يبقى فيه لأنه فقد الفوائد التي لم يجدها إلا عنده.
ـ المجامع العامة:
في وقت اجتماع الناس في شأن من الشئون، يهتم معهم بشأنهم، بل يجعل شأنهم شأناً له إذا كان فيه نفع للأمة، كما حدث في لقاءاته مع الجيوش الشامية، والمصرية، ومع قادتها.
وبعد: فإن هذا من القضايا البارزة التي تضمنتها الرسالة، ومن العسير جداً أن نختصر هذا الحجم الكبير من صفحات الرسالة بهذه الورقات القليلة في الخاتمة، وكلي أمل أن يكون هذا الجهد العلمي مؤدياً لحقيقة ما كان عليه ابن تيمية، وأن يكون نافعاً لجميع الأمة الإسلامية المباركة في الحاضر والمستقبل. رجاء أن ينفعني الله به في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ويشرفني أن أتقدم ببعض المقترحات والتوصيات أرى أهميتها ونفعها.
المقترحات والتوصيات:
١ـ منهج السلف الصالح في الدعوة في جانبي الفكر والعمل يحتاج منا إلى تحديد أطره وإبرازه من أجل تقديمه للأمة بصورة ميسرة يستطيع الإفادة منه الدعاة بشتى ألوان تخصصاتهم العلمية.
ومن خلال هذه الرسالة تحققت أن أموراً مهمة في منهج السلف في الدعوة في جانبيه تخفى على كثير من الدعاة إما على وجه التفصيل وإما على وجه الإجمال.
وبما أنه قد صدر من جامعاتنا في المملكة بعض الرسائل العلمية، وأيضاً بعض علمائنا له اهتمام في الكتابة في النواحي المنهجية في الدعوة فإنني أتقدم بالإقتراح الآتي:
تكون لجنة علمية يتم اختيارها ممن سبق الإشارة إلى إنجازهم العلمي وتهيأ لهم الظروف من أجل الاجتماع لإعداد مؤلف بمسمى "منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله تعالى".