واعلم أن أحوال السلاطين كما قال بعض السلف لهم طاعات كثيرة ومعاصي كبيرة، وصدق هذا القائل فمن طاعتهم تأمين السبل وتأمين الضعفاء من الأقوياء والحيلولة بينهم وبين ما يريدون من ظلمهم، وجهاد أهل الكفر والبغي والمتجارين على نهب الضعفاء وهتك حرمهم وتخويفهم ومغالبتهم على ما تحت أيدهم من أملاكهم، وإقامة الحدود الشرعية والقصاص، وإقامة شعائر الإسلام، والقيام من رعاياهم بواجباته ونصب القضاة لفصل الخصومات بالطريق الشرعية، وأهل الحسبة بالقيام بوظيفة الحسبة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمع الجيوش وتأمير الأمراء لقهر أعداء الدين والقيام بما يحتاجونه من بيوت الأموال، وإحياء مدار العلم بنصب المدرسين والمفتين، وإمساك أهل الجسارة عما يريدونه من الفساد في الأرض بهيبة السلطان ومخافة الإيقاع بهم، فإن كثيراً بل الأكثر لولا مخافة السلطان لكان له من الأفاعيل مالم يكن في حساب ولهذا ترى من لا سلطان عليه في جميع البلاد يفعل ما ترجف منه القلوب وتذرف منه الدموع. ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فإنه قال: إن الله ليزع بالسلطان مالم يزع بالقرآن. وصدق فما قاله هو الحق الذي يعلمه كل عاقل، فإن غالب الناس لولا مخافة عقوبة السلطان له لترك الواجبات إلا النادر، وفعل من المنكرات مالا يأتي عليه الحصر. وأما أهل المخافة من الله عز وجل الذين يفعلون الواجب لكونه أوجبه الله عليهم ويتركون المنكرات لكون الله عز وجل نهاهم عنها فهم أقل قليل. ومن أنكر شيئاً من هذا فليبحث عن حقائق الأمور وينظر في مصادرها ومواردها وأحوال الفاعلين لها حتى يتضح له أن الأمر كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله.