للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا القائم بحجة الله عز وجل هو في أعظم الجهاد وهو في سبيل الله عز وجل، لأنه لم يفعل ذلك لغير هذا القصد، فإنه إن لم ينجز عمله ويحصل أمله بسرعة، حصل ولو بعد حين، كما وعد الله سبحانه به عباده، ويتصور عند قيامه في هذا المقام تصفية النية عن كدورات الرياء والمقاصد التي ليست من الدين، ويتصور ما أمر الله عز وجل به من الإخلاص وحث عباده عليه، ويستحضر قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) فإنها قضية كلية جامعة مانعة نافعة، لا سيما بعد ضم ما ضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الجملة من قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) ثم تصوير ذلك وتمثيله منه صلى الله عليه وسلم بقوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله كانت هجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها كانت هجرته إلى ما هاجر إليه) (١) فإن فارق الإخلاص ولو بمسافة يسيرة فقد لا يتم له ما يريد بهذا السبب لا بسبب خلل في المقام الذي قامه، فإنه مقام المرسلين والعلماء العاملين وعباد الله الصالحين ورويت في كتب التواريخ قصة لبعض القائمين في هذا المقام؛ وهو أنه وقف على آنية من الخمر وقد حمل من بعض المواضع ممن خمرها لبعض الملوك ورأى الحاملين له وقد أخرجوها من المركب إلى خارج البحر ليحملوها على الدواب بعد أن حملوها على السفن البحر، فأخذ عوداً ثم ما زال يكسرها حتى بقيت واحدة منها فوقف عندها قليلاً ثم تركها ورمى بالعصا، فأخذه الواصلون بها وقد اجتمع عليه جمع وما شكوا أن الملك يقتله فلما وصل إلى الملك وقد اشتد غضبه فقال: ما حملك على ما فعلت من الاستخفاف بنا والإقدام على متاعنا؟ فقال: لم أستخف بك بل فعلت ما أمرني الله به وأخذه علي من النهي عن المنكر، فقال: فما سبب تركك لواحد منها؟ قال: أدركت نزغة من نزغات العجب قد أوقعها الشيطان في قلبي فتركت كسر ذلك الواحد منها لئلا أكسره على غير نية صحيحة مخلصة لله عز وجل، فلما سمع ذلك الملك خلى سبيله ولم يكن له عليه سبيل.

وفي هذا المقدار كفاية.

انتهى ما في (الفتح الرباني فتاوى الشوكاني)، والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


(١) تقدم في الصفحة (١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>