وهذا أبو حنيفة الذي قال عنه الأوزاعي: احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف يعني قتال الظلمة وقد وقف أبو حنيفة إلى جانب الإمام زيد بن علي عند خروجه على بني أمية وساعد زيداً على خروجه بالمال ونصح الناس بالوقوف إلى جانبه وكان نفس الموقف مع محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية وأخيه إبراهيم وهما من أولاد الحسين بن علي في الثورة الثانية سنة ١٤٥هـ حيث أفتى أن الخروج معه أفضل من الحج النفل خمسين أو سبعين مرة، وحين خرج عبد الرحمن بن الأشعث على الدولة الأموية في زمن ولاية الحجاج وقف إلى جانبه أكثر الفقهاء أمثال (سعيد بن جبير والشعبي وابن أبي ليلى وابن كثير وأن فرقة عسكرية من القراء وهم العلماء وقفت إلى جانب صف بن الأشعث ضد الحجاج ولم يقل أحد من العلماء أن خروجه هذا غير جائز)، (وقد قال بالخروج عند توافر شروطه التامة الإمام الشافعي والشعبي والإمام الغزالي والقاضي عياض وابن حزم والشهرستاني والجويني والمودودي وابن الأمير الصنعاني والشوكاني والجصاص وغيرهم).
ثالثاً: الأدلة التي ذكرها القائلون بعدم جواز الخروج على الحاكم الجائر بالسيف لا يقصدون بها تحريم ومنع الخروج على الإطلاق أو الإقرار بمشروعية الظلم وإنما هو موقف فرضته الخشية من الفتنة ولذلك دعوا إلى الصبر على الحاكم الجائر وتحمل ظلمه وجوره خيفة أن تحدث الفتنة والموازنة بين الضرر القائم من وجود الظلم ووقوعه وبين الضرر المتوقع من الخروج، وهذا ما عبر عنه بن تيمية بقوله لا ينبغي إضاعة رأس المال طلباً للربح وهذه العبارة تسند إلى القاعدة الفقهية التي تقول (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة) أي لأنه لا يجوز عند عدم التمكن وتحقيق الغاية المرجوة.
رابعاً: حساب الضرر القائم والضرر المتوقع من الخروج على الحكام الجائرين يعد مسألة تقديرية يقدره الخارجون بحسب الحال والعوامل التي تساعد على نجاح الخروج من عدمه والتخفيف من الأضرار الناتجة عن الخروج ومحاولة تجنبها قدر الإمكان وفق القواعد الفقهية العامة كقاعدة (تحمل الضرر الأخف لدرء ضرر أكبر) وبحسب قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتدرج فيها على النحو الآتي:
١ - تعريف الحاكم بالمنكر المطلوب إزالته:
فلابد أن يعرف الحاكم بالمنكر وذلك عن طريق أهل الحل والعقد وعلماء الأمة باللين واللطف والرفق دون عنف أو تجريح فلا ينسب إليه الجهل والحمق وإن كان كذلك وهذا الأسلوب هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الحق وهو منهج السماء للبشر على الأرض بأن تكون الدعوة والحوار والجدال بالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة.
٢ - الوعظ والنصح باللين:
وهذا المنهج هو ما اتفق عليه الصحابة والتابعين من الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا حتى اشترط العلماء فيمن ينهى عن منكر أو يأمر بمعروف عدة شروط لابد من توفرها وإلا لا يجوز له أن يقوم بهذه المهمة لأنه قد يؤدي فعله هذا إلى منكر أكبر ومن هذه الشروط:
أ- أن يكون عالماً بما يأمر به عالماً بما ينهى عنه.
ب- أن يكون رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه.
ج- أن يكون عدلاً فيما يأمر به عدلاً فيما ينهى عنه.