للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا لم يُجدِ أسلوب النصح والوعظ والإرشاد مع الحاكم فإن للأمة أن تستخدم وسيلة أخرى تسمى في العصر الحديث (العصيان المدني) وهي مقاطعة الحاكم وعدم الاتصال به حتى يشعر أنه معزول عن الأمة ولهذا الأسلوب سند في الشريعة الإسلامية وهو ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يكون آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة كذبة فمن أدرك ذلك فلا يكن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً)، وتستخدم هذه الطريقة إذا كان يرجى معها إثناء الحاكم وإجباره عن ما هو عازم عليه من انحراف وجور وظلم وبشرط أن لا يؤدي العصيان إلى مفاسد كتعطيل مصالح الناس والإضرار بهم.

٤ - وأخيراً استخدام القوة لإزالة المنكر بحسب تفصيله في هذه الدراسة.

خامساً: أسباب الخروج على حكام الجور والظلم ليست محصورة كما يرى البعض في الكفر البواح وليست محصورة بسبب بعض المعاصي والمفاسد ولكن إذا أوجدت الأسباب القوية التي لم يعد معها السكوت جائزاً ومقبولاً لدى علماء المسلمين واستنفدت كل الوسائل السلمية لثنيه عما هو عليه من انحراف في العقيدة أو عدم تنفيذه لقواعد الشريعة الإسلامية على الواقع أو إضاعته مصالح الأمة عند ذلك جاز الخروج عليه شريطة تحقيق المصالح للأمة، فلا يشترط للخروج إعلان الحاكم الكفر والردة عن الإسلام بل يكفي إظهاره لبعض المظاهر الموجبة لكفره وانحرافه عن الإسلام من خلال تصرفاته وعدم التزامه بمنهج الله، ومن مظاهر ذلك على الواقع العملي ما يأتي:

١ - الإقدام على إصدار أوامر وقوانين تتضمن معصية صريحة لله بالمعنى الشرعي.

٢ - وقوف الحاكم موقف المتحدي المتعمد لنصوص الكتاب والسنة لأن هذا الموقف يعتبر كفرا بواحاً وإن لم يقل الحاكم إنه يكفر بالإسلام.

٣ - معاداة الإسلام واضطهاد أهله وتنفيذ ذلك صراحة أو ضمناً كأن ينشر الفساد أو يساعد على نشره ويرضى به أو يساعد على نشر الربا والتعامل به ونشر المنهج المخالف للشرع والذي لا صلة له بالإسلام، وقد جاء وصف هذا النوع من الحكام في قوله تعالى {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} [الأنعام: ١٢٣].

٤ - إفساد الحياة العامة على الأمة الإسلامية: قد يدعي الحاكم أنه على الحق وأنه يسير وفق منهج الإسلام إلا أنه في حقيقة الأمر يجلب للأمة الشقاء والتعاسة ويفسد الحياة العامة من خلال ما يمارسه على الواقع ويضر بالمصلحة العليا للأمة لأن الشريعة الإسلامية جاءت في الأصل لجلب المصالح ودرء المفاسد فإذا لم يحقق الحاكم المصالح فقد أفسد الحياة على الأمة ومن ذلك:

أ- مساعدته ودعمه لتمزيق المجتمع بصراع المبادئ البعيدة عن منهج الله وتأجيج الخلافات المذهبية في بعض مسائل الفروع بما يتحول به المجتمع إلى فتن وصراعات وانقسامات داخلية واتباع مناهج وسبل شتى وهذا مخالف لقوله تعالى {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: ١٥٣].

ب- تجويع الأمة وإذلالها حتى يتمكن من نشر الرذيلة والخوف والذعر والرعب فيها.

ج- هدم المثل والقيم العليا في المجتمع واستعلاء الطغيان والظلم والفساد وغرس اليأس والإحباط في النفوس الصالحة بل والانتقام منها والفتك بها.

سادساً: ليس صحيحاً من قال أن السلطان لا ينكر عليه بالقوة وإنما ينكر على غيره فالنصوص الواردة في تغيير المنكر ليست محصورة على المنكر من غير الحكام، بل الإسلام يرتب أفضل وأكبر أجر لكلمة حق عند السلطان الجائر وأفضل الجهاد كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلمة حق عند سلطان جائر).

<<  <  ج: ص:  >  >>