وكما تم التمثيل بعهود ومصالحات عدة من شريعة الإسلام وتاريخ المسلمين للبرهان على فعالية دورها، كذا تطرق البحث بالإشارة إلى بعض العهود الدولية المعاصرة؛ حيث وقع الاختيار على التمثيل بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والعهد العالمي لحقوق الإنسان، وذلك على سبيل الاستعراض الموجز لموادهما التي تبين منها: إما منافاة بعضها للشريعة الإسلامية، أو استثناء المسلمين عند التنفيذ بصورة متحيزة من الإفادة منها؛ كأن هذه العهود أو المواثيق صيغت للحد والحيلولة دون نهوض المسلمين! وهو كذلك.
لذا لم يكن من المستغرب عند الحديث عن موقف الدولة المسلمة من هذه العهود الدولية الإشارة إلى ضرورة التحفظ قبل التوقيع أو الانضمام لأي عهد دولي على المواد المنافية للشريعة الإسلامية، مع التنبيه إلى حقيقة أزلية مسطورة في القرآن الكريم من أنه لن يكون للمشركين في الحقيقة عهد أصلاً، وأنهم متى اشتركوا مع المسلمين في معاهدات فإنهم أول من لا يفي بها؛ كما قال الحق عز وجل:{كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون}[التوبة: ٧ - ١٠]، صدق الله العظيم.
نتائج البحث:
١ - إن أعظم المبادرات فعالية على الإطلاق لإحلال السلام والأمن في المجتمعات وفي أي زمان ومكان كان، هي طرح منهج الإسلام بوصفه دين السلام، والدعوة إلى مُثله وقيمه بالحسنى. وإن إشاعة الحوار والجدال بالتي هي أحسن والرضا بما ستسفر عنه هذه العملية يظل الخيار الأجدى في التغلب على الأزمات والخلافات والنزاعات. وإن المجتمع الذي تروج فيه هذه الأفكار بصورة عملية هو المجتمع الذي سيسعد أكثر بالسلام. وهذا يعني أن كل مجتمع أو نظام جانب هذا الطريق سيتوه في مهامِهِ الشقاء.
٢ - إن تحقيق وتجريد وتعميق توحيد الله تعالى، وإزالة كافة مظاهر الشرك به –سبحانه- لهي قضية جوهرية من وجهة النظر الإسلامية في عملية صناعة وبناء السلام؛ لأن الرب عز وجل رهن تحقق الأمن للنفس والمجتمع بتحقق ونفاذ هذه القضية في النفوس فقال:{وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطنا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}[الأنعام: ٨١ - ٨٢]، وقال:{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً}[آل عمران: ١٥١]، وقال تعالى:{وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}[النحل: ١١٢].
٣ - حكم الجزية ثابت في أصل الشرع، ولا يوجد أي دليل من أي نوع كان يسوغ إبطاله أو نسخه، وما ذكر من أدلة في هذا الصدد فهي لا تعدو أن تكون مجرد شبه متهافتة لا تقوى أمام الاختبار العلمي. أما إنفاذ هذا الحكم في واقع المسلمين في مثل هذه الأزمنة وأزمنة الاستضعاف عامة، فهذه قضية أخرى مرهونة بالقدرة، وتحتكم إلى توافر الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.