وتتعدد المقاربات التي يمكن من خلالها تلمُّس مسار حماس في المرحلة المقبلة، فهناك مقاربة (حزب الله اللبناني) بالنظر إلى كون حماس استفادت من أداء الحزب العسكري والسياسي، فهل يستمر الاقتباس ليصل إلى التطور السياسي الأخير للحزب؟ وبعبارة موجزة: هل يمكن أن تدخل قطر في مرحلة ما على الخط لتدشن مصالحة بين فتح وحماس على النسق نفسه الذي حدث في لبنان؟
حسب هذه المقاربة سوف تظل حماس تجمع بين السياسة والمصالحة والمقاومة دون أن تفرق بينهم، وسيظل احتفاظها بسلاحها وجناحها العسكري أمراً ثابتاً لا يخضع للتفاوض؛ حتى وإن توقفت عمليات المقاومة سنوات متتالية كما هو الحادث مع حزب الله الآن؛ مع التحفظ على تسمية أدائه العسكري مقاومة.
مقارنة ثانية تعتمد على أجنحة أخرى للإخوان المسلمين سلكت مسارات مختلفة في تعاملها مع الاحتلال والنظام الحاكم؛ فهناك الحزب الإسلامي العراقي الذي انطلق من رؤية تتيح التعاون مع الاحتلال الأمريكي في إنشاء نظام سياسي جديد في العراق، فشارك الحزب في مجلس الحكم المشاكل في بداية الاحتلال، ثم في جميع المؤسسات السياسية اللاحقة.
تجربة أخرى للإخوان في سورية؛ حيث اصطدمت الجماعة مع النظام (النصيري) صداماً عسكرياً، أسفر عن مذبحة لأنصار الجماعة وعائلاتهم في عدة مدن، أبرزها حماة، ولم تقدم الجماعة تنازلات كبيرة للنظام، ولا تزال تعمل من الخارج حتى الآن.
مقاربة ثالثة، وهي الأخطر (المقاربة الفتحاوية).
توجد أوجه تشابه كثيرة بين مسار فتح ومسار حماس من حيث النشأة في إطار المقاومة: حركة التحرير الفلسطينية (فتح)، حركة المقاومة الفلسطينية (حماس).
سلكت فتح المسار التالي: المقاومة هي الخيار الأول – تقديم عروض سلام مشروطة – تنقل قيادات الحركة في الخارج من دولة إلى دولة بسبب تذبذب العلاقات – فتح حركة كبيرة تتحالف مع حركات أصغر – التعرض لضغوط دولية وعربية مشددة للقبول بالسلام والاعتراف بالكيان – الاعتراف بالكيان وتوقيع اتفاق الحكم الذاتي – التحول في اتجاه قمع فصائل المقاومة.
هذه المراحل – قبل عتبة الاعتراف – مرت بها حماس، لكنها لا تزال مصرة على الصمود دون الاعتراف بالكيان الصهيوني؛ مع ذلك توجد تخوفات من تحول التهدئة طويلة الأمد إلى التزام ضمني من حماس بضبط أعمال المقاومة أو وقفها، وهو ما يجعل الحركة بالتدريج تدخل في مواجهات مع الرافضين لأي تهدئة مع الكيان الصهيوني، وهذه الوضعية ذات مسار دائري مغلق: تنشأ الحركة في ميدان المقاومة، وعندما تزداد قوتها تبدأ في البحث عن مكاسب سياسية، ويدفعها الحصول على المكاسب السياسية إلى تحجيم العمل الميداني، ومن ثم المجال مهيأ لظهور فصيل آخر يرفض السياسة ويؤيد المقاومة ... وهكذا ..
ويمكن ملاحظة بعض الفروقات التي تجعل نموذج حماس مختلفاً عن فتح، ومن ثم ليس بالضرورة أن يتشابه مسارا الحركتين في جميع المحطات، وليس محتماً أن تسقط حماس في المسار الدائري المغلق ذاته الذي بدأته فتح:
١ - البعد العقدي، والذي يظهر تأثيره في اعتماد المرجعية الشرعية، وفي تبلور الأهداف بصورة أكثر وضوحاً؛ بعيداً عن المطامع الشخصية التي أرهقت فتح.
٢ - حماس تتسم بمستوى أعلى من المرونة، يمكنها من الاستفادة من أخطائها لأسباب؛ فمثلاً: القيادة التشاورية في مقابل القيادة الديكتاتورية لفتح في حقبة عرفات.
٣ - النقاء الداخلي ونظافة اليد والمصداقية التي تميز حماس مقارنة بفتح.
٤ - تماسك بنية الحركة ضد أي احتمالات للانشقاق.
وأما المقاربة الرابعة فتعتمد على مسيرة حماس نفسها، كيف تعاملت مع الأزمات والضغوط التي واجهتها من قبل في مراحلها المختلفة؟