٥ـ ظهر لنا بجلاء، أن أغلب أفراد الأمة قد انساقوا خلف ملذاتهم المعنوية، والحسية، متجاوزين في ذلك الحد الشرعي، الأمر الذي أظهر الترف الفكري، والنفسي، والبدني، وشاعت أسباب ذلك الترف بين طائفة كبيرة من أفراد الأمة على المستويات كافة، الرسمية والخاصة، العلمية والعامة، حملوا سمات المترفين، فقعدوا عن العمل فضلاً عن الجهاد، وتمادوا في الباطل فضلاً عن إظهار الحق، وآثروا الراحة على بذل الطاقة والإشقاق، وكان من نتاج ذلك أن ظهرت آثار الترف بين أفراد الأمة عموماً فضعف الجميع عن العمل الجاد، ووقعوا في الباطل بتماد، واختل توازن المجتمع وحاد، فانشغلت بهم الأمة عن تدبير الأمر ليوم المعاد، فكان أن عم البلاء وطم الفساد، وسارت الأمة في تيار ضد متطلبات الجهاد.
٦ـ تبين لنا في مطلب التفكك الاجتماعي تفتت المجتمع وتقطع أوصاله، حيث تباعد أعضاؤه فانشلت أجزاؤه بداءً من البيت حيث الأسرة الواحدة التي تفكك أعضاؤها، وانتهاءً ببقية أفراد الأمة في أجزائها المتباعدة، حيث ظهر التنافر والتقاطع بين الجميع، وسيطرت على المجتمع مفاهيم اجتماعية خاطئة، أسهمت في تباعد الأحاسيس والمشاعر بين أفراد المجتمع، وبالتالي انحرف المجتمع عن القيام بواجبة الإعدادي للجهاد والمواجهة.
٧ـ تبين أن الأمة قد فقدت قوة فاعلة بفقدانها للوحدة الإسلامية، حيث تفرقها إلى فرق فكرية واجتماعية وسياسية متفاوتة في الاستعداد والتوجه، والعمل والتطلع، وأن أسباب ذلك التفرق قد تغلغلت بين أفراد الأمة، ورُسِّخَت بفعل دواعيها في النفس البشرية، وما يحيطه بها أنصار التفرق من دعاوي ومضللات، فكان أن عمق الجرح من جرائها، وعانت الأمة من ويلاتها. فتناحر أفراد الأمة وسد بينهم الشقاق والتنازع، ونُزعت الهيبة من صدورهم، فوجه لهم العدو حرابه من كل حدب وصوب. وجاهدهم العدو بدلاً من أن يجاهدوه، جاهدهم في أنفسهم وشقاقهم فيما بينهم، مما أسهم في التباس الحق علىأهل الحق، حتى علا الباطل وساد، وتعطل من جراء ذلك الجهاد.
٨ـ اتضح أن الأمة قد أصيبت في مقاتلها، بفعل فساد خلقي عمَّ وطم جل أهلها، فظهرت الدعوات الصريحة للفساد الخلقي، عبر وسائل مختلفة، وأساليب متعددة، دخلت كل بيت، وطرقت كل أذن صاحب ذلك رعاية ودعم، فظهرت النتيجة في سلوكيات متعددة، ومظاهر مختلفة، منها التصور والتصرف، ومنها الظاهر والباطن، حتى ظهرت الأمة للأمم الأخرى متناقضة المبادئ والسلوك.
٩ـ ظهر لنا واقع الأمة السياسي بجلاء، حيث فَرض سيادة الفكر السياسي الوضعي، والنأي بالفكر السياسي الإسلامي عن معترك الحياة العملية والعلمية. فحَكَمت الأنظمة الوضعية أغلب البلاد الإسلامية، وفَرَض الفكر السياسي الوضعي سلطانه على الشريعه الإسلامية عموماً، حيث يَحكمها ولا تحكمه، يُناقشها ولا تناقشه، يعارضها ولا تعارضه، فكانت النتيجة تخلي الأمة عن مقوماتها الشرعية، وسيادتها الداخلية، بالسير في تبعية سياسية للأمم الأخرى، تسير في فلكها، وتحت نظرها.
ونتيجة أخرى أسهمت في كثير من التوترات في عالمنا الإسلامي، بين الحاكم والمحكوم من جهة وبين الحكومات بعضها مع بعض من جهة أخرى.
١٠ـ من أقوال الأعداء، ومواقفهم الصريحة، تبين أن للأعداء جهود متواصلة، ومحاولات ناجحة في سبيل إبقاء يدٍ لهم داخل المجتمع الإسلامي نافذة، تعمل بعيداً عن الأعين والرسميات، وتتحكم في الغايات والتوجهات، فتحكم القبضة، وتدير الإمرة والنهي.
كما تبين أن للتعامل السياسي مع البلاد الإسلامية وجه معلن وآخر خفي، فالوجه المعلن لا يتجاوز أن يكون شعارات جوفاء، لإيقاع الخصوم، وإيهام العوام، ووسيلة إلى الهدف الأساس في إحكام النفوذ.