واستطاع الإسلام اكتساب الجماهير لملاءمته للنفس الإنسانية ونظرته العالمية فالتفت حوله ورضيت به حكماً عدلاً ومنظماً رشيداً فامتلأ أحبار ورهبان أهل الكتاب حقداً وحسداً فساروا بموازاته يحاولون النفاذ إليه بإعمال الثغرات خلاله بتستر وتقية ومداراة، ولجأوا من ثم إلى أسلوب الاغتيالات وتسلموا الأمر بأنفسهم حين لم يستطيعوا أن يجدوا أعواناً لهم من المسلمين فكانت مؤامرات كعب الأحبار ودوره الرهيب في حبك مؤامرة اغتيال الخليفة العادل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقد استطاع بذكائه أن يتخلص من الأدوات التي استخدمها في جريمته بمقتل الهرمزان وأبي لؤلؤة وجفينة، فأُسدل الستار عن التحقيق في هذه الجريمة البشعة التي لو قُدِّر أن يُفتح فيها باب التحقيق لتجنبت الأمة الإسلامية كثيراً من الكوارث التي حدثت ولا تزال تحدث، ولأمكن الإنسانية أن تحيا في ظل الأمن والعدل والرفاهية في ظل الإسلام.
وبوعي الحاقدين من أهل الكتاب افتعلوا التناقضات فتظاهر بعضهم بالإسلام ومنهم ابن سبأ الذي أكمل دور كعب الأحبار فاستطاعوا أن يجمعوا حولهم بعض المسلمين في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) واستغلوا فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الإسلامية)، فحرك ابن سبأ - ((بتوطئة كعب الأحبار وغيره من الأحبار والرهبان)) - المسلمين الحديثي العهد بالإسلام والمتسترين بالإسلام والأعراب الأجلاف الذين لم يدخل الإسلام قلوبهم بعد ولم يشربوا بروحه –ووقفوا وراءهم يمدّونهم بالتأويل والتفسير باسم العلم ويحركونهم حتى توسعت التناقضات بين الصحابة، وأثاروا المشاعر ضد عثمان في الأمصار الإسلامية: العراق في البصرة والكوفة ومصر والشام وحتى الحجاز، فتحركت هذه الأمصار في حركة هوجاء مضطربة دون وعيٍ من عناصرها بعمق المؤامرة ومحركيها. فأدى سيل الأحداث المتدفق الجارف إلى فتنةٍ فقتل الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فكان ذلك صدعاً لا يلتئم في تاريخ الإسلام وأصبح قميص عثمان مثلاً دارجاً سائراً إلى اليوم، فانقسم المسلمون.
وأجاد الحاقدون من أهل الكتاب دورهم فتسللوا إلى مختلف الفئات الإسلامية يؤرثون العداوة والبغضاء بينها فأثارت عناصرهم السبئية القتال بين الصحابة فكانت وقعة الجمل ثم صفين والحكمين –فأدت تطورات- الأحداث التي أحسنوا حبك نسيجها إلى اغتيال الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بأيدي الخوارج، وإلى ظهور فكرة الخوارج وفرقهم المتعددة التي غذوها بأفكارهم وقد عمقوا عندهم فكرة استعراض المسلمين وقتلهم فعاثوا في الأرض فساداً يقتلون النساء والأطفال والشيوخ ويبقرون بطون الحبالى من المسلمين فقط الأمر الذي أبعهدهم عن روح الإسلام وتسامحه وصفائه وصدقه –كما أدت- تطورات الأحداث هذه أيضاً إلى ظهور بذور فكرة الشيعة التي غذوها بأفكارهم بشكل واضحٍ وعميق عن طريق تظاهرهم بالإسلام وانضمامهم بالفعل إلى هذه الفرقة واستلام قيادتها الفكرية فوقفوا وراء حركات قادتها وأسهموا في قتلهم أو اغتيالهم ثم أجادوا التظاهر في البكاء والعويل عليهم إمعاناً منهم في صدع المسلمين، ومجتمعهم.
ومما زاد في تغذيتهم الفرق الإسلامية بالأفكار الهادمة للإسلام انتشار مدارسهم الفكرية في أصقاع العالم الإسلامي وتياراتها الفكرية المختلفة كمدرسة الإسكندرية ونصيبين وأنطاكية وحران وجنديسابور وهي مدارس شملها المد الإسلام وأحاطها بالرعاية فأثرت في أفكار المسلمين ومن ثم في حياتهم الثقافية والاجتماعية.