للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما عادت الجماعة الإسلامية إلى الالتئام بعد أن فوت الحسن الفرصة عليهم وولى معاوية الخلافة أدركوا حَزمَهُ وهابوه فعادوا إلى أسلوب الكيد الخفي وتفنَّنوا فيه دون أنا ينالوا من المجتمع الإسلامي نيلاً ذا بال فأخذوا يتصلون بالحسن والحسين وببعض المخلصين لآل البيت وحرضوهم على الثورة والخروج على الدولة، فأدَّى ذلك إلى مقتل حجر بن عدي، وتسللوا ببراعة إلى الحاشية فأوغروا صدر معاوية على المخلصين، فباعتبارهم متمرسين في شؤون السياسة العالمية وعالمين بخفاياها أخذوا يقصون الأقاصيص بدهاء عن الأمم الماضية في سمر معاوية متضمنةً هذه الأقاصيص مكائد الملوك وأساليبهم في التخلص من مخالفيهم، وقد برع منهم في ذلك وهب بن منبه وعبيد بن شربة الجرهمي وتبيع الحميري.

وبرعوا في التسلل إلى دواوين الدولة فنفذوا إلى الإدارة فكان سرجون الذي تسلم الكتابة لمعاوية ويزيد ومروان وعبدالملك.

وقد أجاد سرجون هذا حبك المؤامرات وأدخل في روع معاوية خروج الحسين وابن الزبير ولم يجد فرصةً في زمن معاوية لحزم معاوية ولكنه وجدها في شخصية يزيد بن معاوية التي لا ترقى إلى شخصية الحسين في نفوس المسلمين فحرك الحسين بكتابات سرية وأسهم في تولية ابن زياد المصرين العراقيين المضطربين بالأهواء والنحل والفتن، البصرة والكوفة، فكانت فتنة مقتل الحسين صدعاً آخر في تاريخ الإسلام ثم غزو المدينة ووقعة الحرة التي اشتركت فيها عناصر أهل الكتاب الشامية بالفعل.

وتحركت عناصر أهل الكتاب في قبيلة تغلب وكلب واستغلت وجود ما يُسمى بالعصبية القبلية في نفسية العربي فاستثارتها من مكامنها فخفت صوت الإيمان أو تهدّج في نفوس الكثيرين من المسلمين أمام ثورة العصبية الجامحة والتغني بأيام العرب فتحوَّلت الساحة الإسلامية الواسعة إلى مجال مصادمات قبلية عربية عنيفة ألهب الشعراء فيها النار بين المتنازعين واستثاروهم، وكان الشعراء من أهل الكتاب كالأخطل والأعشى والتغلبيين، المحرك لاستثارة حماس الشعراء الأعراب كجرير والفرزدق.

وكاد شمل المسلمين يلتئم على يد الخليفة عبدالله بن الزبير فهال عناصر الفتنة الأمر فتحركت وحركت تغلب وكلباً بزعامة حسان بن مالك بن بحدل وحريث –واتخذت بعض الأعوان كعبيد الله بن زياد- فبايعوا مروان بن الحكم خروجاً على إجماع الأمة لإحداث الشرخ وتعميق الصدق ومنعاً من الالتئام واستمرت في إثارة العصبية ووجدت هذا المجال متنفساً لها، وتحركت عناصر الخوارج تعيث فساداً في شرق الدولة الإسلامية.

وإمعاناً منهم في الاستمرار بعملية الهدم استمالوا الأشخاص ذوي الطموح كالمختار الثقفي الذي استثاروه وحقنوه بأنواعٍ من الأفكار لقّنوه إياها وتبنَّاها، وبشبهٍ ومخاريق أوهموه بصحتها، وهي بجملتها تتناسب ونفسية هذا الرجل الطامح المحب للزعامة المنتهز للفرص، فجعلوا منه وسيلةً للإفساد بين الشخصيات الإسلامية الكبيرة وتعميق الفجوة بينهم: عبدالله بن الزبير ومحمد بن الحنفية، وعبدالملك بن مروان.

<<  <  ج: ص:  >  >>