وعقيدته إجمالاً موافقة للعقائد المشهورة المنقولة عند أهل السنة والجماعة بدءاً من السلف إلى أيامنا هذه.
• من الملاحظ أن الإمام الطبري ألف تاريخه ليؤكد الفكرة الأساسية المنبثقة من اعتقاده وتصوره الإيماني وهي: إيمانه بأمر الله ونهيه، وبعدله وقضائه وقدره، وبأن له سنناً ماضية لا تبديل لها، وإيمانه بحرية الإنسان وقدرته على الاختيار، وأنه مكلف بوظيفة العبودية لله والخلافة في الأرض، وعمارتها بشرع الله ومنهجه، وبأن الله يثيب الطائف المستجيب ويعاقب العاصي الناكث.
ولذلك كانت نظرته التاريخية تندرج تحت هذه الفكرة الثاقبة والعقلية النيرة المؤمنة بالله العارفة بشرعه وأحكامه، كما أن تدوينه لتاريخه حسب سني الرسل والملوك الذين كانت بأيديهم مهمة التوجيه وسلطة التنفيذ، هو من أجل أن يساعد على توضيح العبر والدروس لأولي الأبصار، ويريهم كيف تتحقق سنن الله على البشر، من نصرة المؤمنين المنفذين لشرعه من الرسل وأتباعهم، وهلاك الظالمين المحادين لله ورسله أو استدراهم وتأخير عذابه إلى يوم القيامة.
• اعتمد الإمام الطبري في كتابه على نوعين من الموارد: مصادر شفهية أخذها سماعاً من مشايخه كابن شبه مثلاً، ومؤلفات أجيز بروايتها أو أخذها وجادة فنقل منها ككتب الواقدي وسيف بن عمر.
على أن الإمام الطبري وجد أمامه عدداً كبيراً من المصادر الإخبارية، فانتقى منها ما ضمنه تاريخه الضخم، حيث أظهر مقدرة فائقة في الجمع بين المصادر والاطلاع على الكتب التي ألفت قبله وانتقاد الروايات.
• لكون الإمام الطبري من علماء الحديث، فقد سار على نهجهم في تاريخه، فهو ليس صاحب الأخبار التي يوردها، بل لها أصحاب آخرون أبرأ هو ذمته بتسميتهم، وهؤلاء متفاوتون في الأقدار، وأخبارهم ليست سواء في قيمتها العلمية، ففيها الصحيح وفيها الضعيف والموضوع. ولذلك ينبغي دراسة أسانيد ومتون الروايات وفق المقاييس المعتبرة عند العلماء للوقوف على مدى صحتها من عدمه.
وتحسن الإشارة إلى أن اتساع صدور أئمة السنة من أمثال الإمام الطبري لا يراد أخبار المخالفين من الشيعة وغيرهم؛ دليل على فهمهم وأمانتهم ورغبتهم في تمكين قرائهم من أن يطلعوا على كل ما في الأمر، واثقين من أن القارئ اللبيب المطلع لا يفوته بأن مثل أبي مخنف وابن الكلبي وغيرهم هم موضع تهمة فيما يتصل بالقضايا التي يتعصبون لها، مما ينبغي معه التحري والتثبت لاستخلاص الحقائق المختلطة بالإشاعات والمفتريات.
• جاء التعريف بالفتنة في اللغة، وفي القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي. والمراد بالفتنة في بحثنا هذا ما وقع بين المسلمين في صدر الإسلام من القتال والنزاع والفرقة، نظراً لأن القضايا التي وقع الخلاف حولها كانت مشتبهة ومعقدة إلى حد جعلت المواقف متباينة والآراء مختلفة.
• إن المآخذ على عثمان - رضي الله عنه - والمروية عن طريق المجاهيل والإخباريين والضعفاء، خاصة الرافضة، كانت ولا تزال بلية عظمى على الحقائق في سير الخلفاء، خاصة في مراحل الاضطرابات والفتن. فكان مع الأسف لسيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من ذلك الحظ الوافر. فرواية الحوادث ووضع الأباطيل على النهج الملتوي بعض ما نال تلك السيرة النيرة من تحريف المنحرفين وتشويه الغالين بغية التأليب عليه أو التشهير به.