• على أن المآخذ التي نسبت إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قد أجاب عن بعضها عثمان، وفند بعضها من عايش عثمان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وبعضها عارضناه بالأدلة في المبحث المتعلق بالمآخذ على عثمان والرد عليها، وبعضها الآخر لا يستقيم نقله ولا يصح إسناده، بل صدر من جماعات مشبوهة، ثم استغل أبان هيجان الفتنة لصالح الخوارج على عثمان.
• لقد تأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية، وتفيض فيه كتب العقائد، وذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات والأدب واللغة، وسار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين. وقد بلغ عدد المصادر التي رجعت إليها والتي تتفق على وجود عبد الله بن سبأ حوالي ستين مصدراً.
ويبدو أن أول من شكك في وجود ابن سبأ بعض المستشرقين، ثم دعم هذا الطرح الغالبية من الشيعة المحدثين، بل وأنكر بعضهم وجوده البتة، وبرز من بين الباحثين العرب المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين، ومن تأثر بكتابات الشيعة المحدثين، ولكن هؤلاء جميعاً ليس لهم ما يدعمون بهم شكهم وإنكارهم إلا الشك ذاته والاستناد إلى مجرد الظنون والفرضيات.
• يتفق المشاهير من أصحاب الفرق والنحل والمؤرخون والعلماء من سلف الأمة وخلفها على أن عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من أهل صنعاء، أظهر الإسلام وطاف بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط سيئة ليلفتهم عن دينهم وطاعة إمامهم، ويوقع بينهم الفرقة والخلاف، فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكونت به الطائفة السبئية المعروفة التي كانت عاملاً من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل عثمان - رضي الله عنه -.
• يظهر من ثنايا الروايات أثر الأعراب في الفتنة، فقد ساهموا عن حسن نية أو سوء نية في بوادر الفتنة الأولى، وكانوا سبباً من أسباب اندلاعها، لاعتقاد المتعبدين السطحيين منهم عن حسن نية - وهم القراء - أن عثمان أخطأ، ولاعتقاد الطامعين منهم عن سوء نية أن لهم حقوقاً زيادة في بيت المال يجب الحصول عليها.
وقد استفاد من هذا الواقع، أي من وجود فئة من الناس لا تميز بين الحق والباطل، وفئة أخرى يستثيرها المال والطمع؛ السبئية الذين استغلوا سذاجة أولئك وطمع هؤلاء لتدبير الفتنة.
• ظهر نتيجة التحول في طبيعة الدولة وأجناس الخاضعين لها والمنتمين إلى دينها جيل جديد من المسلمين يعتبر في مجموعه أقل من الجيل الأول الذي حمل على كتفيه عبء بناء الدولة وإقامتها. فقد تميز الجيل الأول من المسلمين بقوة الإيمان والفهم السليم لجوهر العقيدة الإسلامية. والاستعداء التام لإخضاع النفس لنظام الإسلام المتمثل في القرآن والسنة. وكانت هذه المميزات أقل ظهوراً في الجيل الجديد الذي وجد نتيجة للفتوحات الواسعة، وظهرت فيه المطامع الفردية، وبعثت فيه العصبية للأجناس والأقوام، وهم يحملون رواسب كثيرة من رواسب الجاهلية التي كانوا عليها، ولم ينالوا من التربية الإسلامية مثل ما نال الرعيل الأول من الصحابة على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لكثرتهم وانشغال الفاتحين بالحروب والفتوحات الجديدة، فأخذ هؤلاء المسلمون الجدد ينخدعون بكل ما سمعوه من جهة، ويبثون ما لديهم من رواسب وأفكار جاهلية من جهة أخرى.