• لقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وقوع الفتنة، وثبت بالخبر القطعي من طريق الوحي أن عثمان - رضي الله عنه - على الحق، وأنه سيقتل ظلماً وأمر باتباعه، وأخبره أن الله يقمصه بقميص - يعني الخلافة - وأن المنافقين يريدونه على خلعه، وأمره أن لا يخلعه.
وهذا أقوى دليل أنه كان على الحق. فمن خالفه تنكب طريق الحق، كيف لا! وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين أرادوا خلعه بالنفاق، فعلم بالضرورة أن كل ما ورد عنه مما يوجب الطعن عليه دائر بين مفترٍ عليه ومختلق، وبين محمول - على تقدير صحته - على الاجتهاد ليكون معه الحق تصديقاً لخبر النبوة المقطوع بصدقه.
• إن المتتبع لأحداث الفتنة في تاريخ الإمام الطبري وكتب التاريخ الأخرى من خلال روايات أبي مخنف والواقدي وابن أعثم وغيرهم من الإخباريين يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون المؤامرة ويثيرون الفتنة.
وخلافاً لروايات هؤلاء الذين لا يتورعون في إظهار الصحابة بمظهر المتآمرين على عثمان المحرضين عليه، المسؤولين عن قتله، فقد حفظت لنا كتب المحدثين بحمد الله الروايات الصحيحة التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان المنافحين عنه؛ فقد اجتهدوا في نصرته والذب عنه، وبذلوا أنفسهم دونه، فأمرهم بالكف عن القتال، وقال إنه يحب أن يلقى الله سالماً مظلوماً، ولو أذن لهم لقاتلوا عنه.
• لم يكن موقف التابعين ومن بعدهم مخالفاً لموقف الصحابة في الدفاع عن عثمان - رضي الله عنه - ورعاية حقه، وبيان أنه قتل على غير وجه الحق، واستعظام قتله والبراءة من قتلته، وذمهم وذكرهم بالسوء. فقد وضعوا نصب أعينهم تأييد السنة ونفي البدعة بعيداً عن الأهواء الشخصية والنزعات الخاصة، فكانت كثير من الأخبار المروية عنهم والمتعلقة بالفتنة الأولى قد أخرجت عثمان - رضي الله عنه - كالقلب المصفى نقياً خالصاً من كل ما أراده المغرضون وتقوله المتقولون.
• خلافاً لما جاء في بعض الروايات أن جماعة من الصحابة تخلفوا عن بيعة علي - رضي الله عنه - أو بايع بعضهم كرهاً، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن بيعة علي - رضي الله عنه - كانت بيعة شرعية. ويؤيد ذلك ما ورد في السنة النبوية من مؤشرات عن خلافته، وما روي عن الصحابة في هذا الشأن، وما نقله المؤرخون والمحدثون والفقهاء وأهل العلم عن شرعية خلافة عليّ وصحتها ومبايعة أهل الحل والعقد له من المهاجرين والأنصار.
ولم يتخلل تلك البيعة أي نوع من أنواع الضغط أو الإكراه، حيث روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) بسند صحيح ما يكشف عن بيعة طلحة والزبير لعليّ بمحض إرادتهما دون غلبة أو قهر.
ويبرز الإمام الباقلاني موقف بعض الصحابة الذين تأخروا عن نصرة عليّ والدخول في طاعته؛ بأن ذلك لم يكن بسبب رفضهم لخلافته وبيعته، وإنما تخوفوا من حرب أهل القبلة واحتجوا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن قتال الفتنة.
ورأيي أن المعارضة التي قامت في وجه علي - رضي الله عنه - لها ظروف سياسية معروفة، فهي لم تكن معارضة تطعن في إمامته بقدر ما كانت تطالب بالقصاص من قتلة عثمان.
ويمكن القول أن علياً - رضي الله عنه - كان أقوى المرشحين للإمامة بعد مقتل عمر - رضي الله عنه - فالفاروق عينه لها في الستة الذين أشار بهم، وهو واحد منهم، على أن الأربعة من رجال الشورى وهم عبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير بتنازلهم عن حقهم فيها له ولعثمان، تركوا المجال مفتوحاً أمام الاثنين فلم يبق إلا هو وعثمان، وهذا إجماع من أهل الشورى على أنه لولا عثمان لكانت لعليّ. وبعد موت عثمان، وقد قدمه أهل دار الهجرة صار مستحقاً للخلافة.