للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حمل أهل السنة الوعيد المذكور في الحديث: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار) على من قاتل بغير تأويل سائغ لمجرد طلب الملك وطلب الدنيا؛ فقد أخرج البزار في حديث: (القاتل والمقتول في النار) زيادة تبين المراد وهي: (إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار). ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: (لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: (الهرج، القاتل والمقتول في النار).

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتمسك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

وفي الختام أقول: إن كتابة تاريخ الخلفاء الراشدين بصفة خاصة، وتاريخ الصحابة بصفة عامة - من زاوية الرصد الإسلامي - ضرورة لازمة للأمة الإسلامية، وليست نافلة يمكن الاستغناء عنها، ذلك أن عصر الراشدين هو بلا شك الفترة الذهبية في حقب التاريخ الإسلامي الممتدة في أغوار أربعة عشر قرناً من الزمان.

ولهذا كان لابد من العناية بدراسته الدراسة الصحيحة حتى يؤتي ثمرته المرجوة، ويحقق للأمة أملها المنشود، إذ منه تستخلص العبرة، وفيه تستهدى القدوة.

هذا وأرجو أن أكون قد وفقت في إزالة اللبس عن كثير من أحداث التاريخ في تلك الفترة العزيزة على نفس كل مسلم، وبذلك ينكشف الكثير مما دسّ على التاريخ بأقلام المغرضين، حيث كان التاريخ، والتاريخ الإسلامي بالذات هدفاً من الأهداف الرئيسية التي استهدفها المستشرقون وركزوا عليها.

وإني أرى لزاماً عليَّ أن أعلن شكري لله - عز وجل - إذ وفقني إلى إبراز كثير من الحقائق، وإزاحة الشبهات عن شخصيات كادت تلك الشبهات تفقدهم مكانتهم من نفوس دارسي وقارئي التاريخ من غير المحققين المثبتين.

هذا ولا يسعني وقد أكرمني الله تعالى بتوفيقه من إتمام هذه الرسالة إلا أن أتوجه إليه سبحانه بالحمد على ما أنعم به عليّ، فله الحمد والمنة دائماً وأبداً.

ولا أزعم لنفسي العصمة من الزلل، ولا الكمال الذي لا يداخله خلل، فكما قال العماد الأصفهاني: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو الدليل على استيلاء النقص على جملة البشر). فسبحان من تفرد بالكمال، وتنزه عن النقص والنسيان.

وإنني وأنا أقدم هذا البحث لأرجو أن يكون قدر الإمكان وفيته حقه، وأتيت فيه بجديد، فإن أحسنت فمن الله عز وجل، وإن أسأت فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم.

وفي الختام أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي هذا حسناً، خالصاً لوجهه الكريم وموافقاً للحق، وأن ينفع به المسلمين، ويرجح حسناتي يوم الدين.

اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدماً تمشي إلى خدمتك، ولا يداً تكتب في سبيلك، فبعزتك وجلالك لا تدخلني النار، وأدخلني الجنة مع الأبرار، اللهم آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تم تبييضه في مساء يوم السبت ٥ من شهر ذي الحجة ١٤٠٩هـ الموافق ٨ من شهر يوليه (تموز) ١٩٨٩م في مدينة جدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>