وقد تبع ذلك من الفضل الكبير من الله أن ظهر البترول فأسهم في تحقيق نقلة اقتصادية رائعة، أثرت في الاقتصاد السعودي وجعلته قوياً قادراً على البناء والعطاء، وقد انعكس ذلك على قيام ملوك آل سعود بإعمار بيوت الله وفي مقدمتها بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وكذلك مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، فتحقق بذلك الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي للوطن، والمواطن، والمقيم، والزائر، والحاج، والمعتمر، رغبة من الملك عبد العزيز ثم أولاده من بعده في عمل كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، طلباً للأخر والثواب من الله، وخدمة للإسلام والمسلمين، وقد كان لمنطلق الغرس الإيماني الذي ورثه الملك
عبد العزيز لأبنائه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد يرحمهم الله، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطني، والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، حفظهم الله من كل مكروه، أكبر الأثر في قيام أبنائه البررة بمواصلة مسيرة البناء والتطور في هذه الدولة الرشيدة، وقد تمثل ذلك في الجوانب الآتية:
أ- لقد كانت البداية منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز رحمه الله الذي ما أن علم بوجود بعض الخلل في أجزاء من عمارة الحرمين الشريفين حتى سارع وأصدر أمره بمعالجة ما تعرض له الحرمان الشريفان من خلل نتيجة عوامل طبيعية عدة كالسيول والرطوبة، أو الأرضة وغيرها، وذلك بترميمهما وصيانتهما على أحسن وجه، على الرغم مما كانت تعانيه الدولة في بداية عهدها من ضائقات مالية كبيرة.
ب- مواجهة الزيادة الكبيرة في أعداد المصلين والزائرين والمعتمرين والحجاج للحرمين الشريفين التي جاءت بفضل الله ثم بفضل ما وفرته الدولة من الأمن والاستقرار اللذين أصبحت البلاد تنعم بهما في جميع أرجائها، نظراً للسياسة الرشيدة التي اتبعتها الدولة والمتمثلة في تحكيمها لكتاب الله والسنة النبوية المطهرة، فكانت نتيجة استقرار البلاد، وانتشار الأمن بها، أن ازدادت أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار، ولذلك قامت الدولة بعمارة الحرمين الشريفين وتوسعتهما، حتى يتسعا للأعداد المتزايدة من ضيوف الرحمن فأقامت بناءين متكاملين للحرمين الشريفين يكشفان عن عظمتهما، فجاءت عمارتهما بتصميم جذاب، وقوة بناء بصورة معمارية ذات جمال خاص يؤدي إلى إحداث تناغم وانسجام وذوق رفيع بوصفهما أعظم منشأتين معماريتين إسلاميتين على وجه الأرض.
ج- لقد كان للعامل الاقتصادي الذي ظهرت بوادره منذ استخراج البترول، وتسويقه عالمياً أكبر عون بعد الله للدولة في أن تقوم بمثل هذه المشروعات المعمارية الجبارة التي تخدم الإسلام والمسلمين، وتسهل عليهم أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، ولذلك سعى قادة هذه البلاد إلى توظيف ثروة الدولة لخدمة الوطن والمواطن ورفاهيته، وكذلك توسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما، والإنفاق عليهما بسخاء عظيم، وإقامة مشروعات تطويرية عملاقة، أسهمت في ازدهار المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك مدن المملكة الأخرى. وهذا العمل أسهم في تحقيق أكبر نقلة اقتصادية، وعمرانية، وحضارية، عمت جميع أرجاء المملكة، وفي الوقت نفسه سعت الدولة إلى تخصيص جزء من أموالها لمساعدة الشعوب الفقيرة، أو المنكوبة، والعمل على خدمة القضايا الإسلامية بالعون المادي والمعنوي، خدمة للإسلام والمسلمين.