للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أي حال فإن المرء لا يستطيع أن ينكر الجهود السابقة لعمارة الحرمين الشريفين وتوسعتهما وترميمهما وهي التي جرت في العهود السابقة للعهد السعودي، لكونهما أماكن عبادة الله وحده من عباده المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، ومن واجب الحكام المسلمين ممن يهمهم أمر المسلمين، وخاصة ممن كان الحرمان الشريفان تحت حكمهم وتحت تبعيتهم السياسية في تلك الأزمان أن يهبوا للعناية بهما وعمارتهما وتوفير الخدمات اللازمة لقاصديهما، وتأمين سبل الوصول إليهما، إلا أن الأحداث السياسية التي كانت تعصف بالمنطقة والبلاد الإسلامية بين فترة وأخرى كان لها دور كبير في تحديد قدرة أولئك الحكام أو الحكومات الذين كانت بيدهم مسؤولية العناية بالحرمين الشريفين، ومدى إمكاناتهم المادية في توفير الاحتياجات التي يتطلبها الحرمان الشريفان من العناية والترميم والعمارة، أو التوسعة وتوفير احتياجاتهما على مر العصور، ولعل كسوة الكعبة المشرفة خير دليل على هذا الأمر، ويمكننا تصور ما حدث بشأنها في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، وكيف ظهرت قدرته –رحمه الله- في التغلب على هذا الموقف والاستفادة منه نحو الاتجاه الصحيح، وهو الاعتماد على الله أولاً ثم على الجهود والإمكانات المادية المتوافرة في المملكة وجلب المواد من خارجها، وذلك لصنع الكسوة محلياً دون الاعتماد على منة الآخرين.

وقد أدى تباين البناء في العمارة وتطوره إلى ظهور نماذج كثيرة من العمارة وفق الجهة التي كانت تقوم بالعمارة أو التوسعة في الحرمين الشريفين، وظهر ذلك في التوسعات التي شملت الحرمين بدءاً من العصر الأموي ومروراً بالعصر العباسي، ثم العصر المملوكي، ثم العصر العثماني، فكانت عملية البناء والتوسعة للحرمين الشريفين خلال تلك الفترات السابقة تمر بحركة بطيئة لم تكن بالمستوى المرجو منها، وربما يكون السبب في ذلك هو انتقال مركز الخلافة إلى المدن الواقعة خارج شبه الجزيرة العربية.

كما لوحظ أن العمارات والترميمات التي حدثت في العصور السابقة كانت –في الغالب- لضرورة قصوى نتيجة خلل، أو تصدعات شديدة حدثت في بناء أحد الحرمين الشريفين، أي أنه لم تكن هناك خطة مستمرة ومتناسقة يتم من خلالها متابعة أعمال البناء والتوسعات؛ ويرجع سبب ذلك –في رأينا- لاختلاف السلاطين وتباينهم آنذاك، ولبعد مركز الدولة الإسلامية بعد عهد الخلفاء الراشدين عن منطقة الحرمين الشريفين، إذ انتقل مركز الدولة الإسلامية إلى دمشق في العصر الأموي ثم إلى بغداد في العصر العباسي ثم إلى القاهرة في العصر المملوكي، وأخيراً إلى إسطنبول في العصر العثماني.

أما بعد أن من الله على هذه البلاد بقيام الملك عبد العزيز بتوحيد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية في دولة واحدة، وإعلان قيام الدولة السعودية الرشيدة (المملكة العربية السعودية)، دولة عقيدتها الإسلام، ورايتها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فاستقرت مع قيامها وتوحيدها أحوال البلاد والعباد، وظهرت معالمها السياسية والحضارية والاقتصادية واضحة للعيان، ثم ما لبثت أن تبوأت هذه الدولة مركز القيادة في عالمها الإسلامي والعربي، وأصبحت مكة المكرمة العاصمة المقدسة للدولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>