وكان بناء الأسقف في الماضي يعتمد على جريد النخل المكسي بالنورة والطين، ثم ظهرت القباب، وتطور بناؤها في العصور المتأخرة حتى إننا نجد أن معظم قباب المسجد النبوي الشريف مكسية في أعلاها بطبقة من الرصاص، وهذه القباب لا تتحمل إقامة أدوار أخرى عليها، كما أنه لا يمكن الاستفادة من سقفها للصلاة عليه. أما في العمارة السعودية، وحسب مقتضيات العصر الحديث، فقد استخدم في بناء الأسقف في عمارة الحرمين الشريفين المواد المسلحة التي يعتمد على الأسمنت والرمل والخرسانة والحديد؛ لشدة تحملها للأعداد الهائلة من المصلين على أسطحها، وكذلك القدرة على البناء فوقها لأدوار عدة، وقد أقيمت هذه الأسقف على أعمدة وقواعد وأوتاد خراسانية داخلة بأعماق بعيدة في باطن الأرض، واستخدم فيها الحديد والأسمنت لزيادة قوة تحملها، وتم تلبيسها بالرخام الجيد لإعطائها قوة ورونقاً وجمالاً.
أما من حجم البناء فقد حدث تطور مذهل في عمارة الحرمين الشريفين في العهد السعودي، فزاد البناء من دور واحد في الحرم المكي الشريف ومساحته حوالي (٢٨.٠٠٠م٢) قبل التوسعة السعودية، إلى أقبية (بدرومات) وثلاثة أدوار مساحتها حوالي (٤٠٠) ألف متر مربع، وهذه المساحة رفعت سعة المسجد الاستيعابية من المصلين في أوقات الذروة إلى أكثر من مليون مصل.
وكذلك حدث في المسجد النبوي الشريف؛ إذ تحول البناء من دور واحد ومساحة لا تزيد عن أربعة آلاف متر مربع، إلى مساحة (٤٠٠.٢٠٠م٢)، تستوعب أكثر من مليوني مصل، وأصبحت العمارة السعودية تحتوي على أقبية تحت مساحة المسجد تستوعب كافة الخدمات المساعدة، ثم الدور الأرضي الرئيس، والأسطح، وقد صمم المبنى ليتحمل دوراً ثانياً في المستقبل.
أما فيما يختص بالأرضيات والأسطح فقد كانت الأرضية في معظم ساحات الحرمين الشريفين في السابق تغطيها أنواع مخصوصة من الرمل والحصى الصغير، مما ترتب على ذلك إثارة الغبار والأتربة، وخاصة عند سقوط الأمطار. أما في العمارة السعودية فقد تم تكسية جميع أرضيات ساحات الحرمين الشريفين وأروقتهما بنوع خاص من الرخام الأبيض المزخرف بأحزمة من الرخام الجرانيت الملون، كما غطي صحن المطاف بنوع من الجرانيت الأبيض الذي تم جلبه من اليونان بعد ثبوت قوة امتصاصه للحرارة وجودته، وبرودته في أثناء الظهيرة؛ لعدم تأثره بحرارة الشمس، وذلك حتى يشعر الطائفون حول البيت بالراحة عند طوافهم على رخام بارد لا يمتص الحرارة.
كما كسيت أسطح الحرمين الشريفين بالرخام الأبيض لمنع تسرب المياه إلى الأدوار السفلية، مما جعلها تحافظ على سلامة أعمال الزخرفة في الأسقف، بعد أن تم عمل مجرى خاص لتصريف مياه السيول من الأسطح والساحات إلى نفق السيول العام الذي يقوم بتصريف مياه السيول والأمطار إلى خارج المدينة.
وبالنسبة لأعمال الزخرفة فقد تحولت من النواحي التقليدية في العصور السابقة إلى أعمال هندسية تستقي جمالها من التراث الإسلامي، وبتقسيماتها النباتية والهندسية التي تعتمد على المساحات والألوان المتناسقة الرائعة، مما تحقق معه تناغماً وانسجاماً في أعمال الزخرفة المستخدمة في الأسقف والقباب وتيجان الأعمدة المصنوعة في قوالب خاصة، مما يظهر بجلاء التناغم والجودة في استخدام أعمال الزخرفة، جنباً إلى جنب مع أعمال الخط العربي المتمثل في كتابة الآيات القرآنية على الواجهات الداخلية والخارجية، وأسقف الحرمين الشريفين، والمداخل الرئيسة، وخاصة في التوسعة الكبرى لخادم الحرمين الشريفين.