أما المآذن في المسجد النبوي الشريف، فأول من بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، إذ أنشأ مئذنة للمسجد النبوي الشريف، ثم أضاف إليها الخليفة العباسي المهدي ثلاث مآذن، ثم جاء الخليفة المعتضد فأنشأ المئذنة الخامسة. وأمر السلطان سليمان المشرع العثماني ببناء مئذنتين، ليصبح عدد المآذن في المسجد النبوي الشريف سبع مآذن، وهذه المآذن كان ينالها التجديد من عام إلى آخر.
أما في العهد السعودي فقد زاد عدد المآذن في المسجد النبوي إلى عشر مآذن؛ منها أربع من العمارات السابقة، اثنتان منها في العمارة العثمانية، واثنتان تم بناؤهما في التوسعة السعودية الأولى، وست مآذن تم بناؤها في توسعة خادم الحرمين الشريفين، وهذه المآذن الست الجديدة كلها مآذن ذات طابع وتصميم واحد، وبارتفاع (٩٩) متراً؛ يضاف إلى ذلك الهلال البرونزي المطلي بالذهب، بارتفاع خمسة أمتار، ليصبح ارتفاعها (١٠٤) أمتار، تعتمد على قواعد قوية، مثبتة على أوتاد من الخرسانة والحديد القوي، بأعماق تصل إلى أكثر من ثلاثين متراً في باطن الأرض، وهذه المآذن تزيد على ارتفاع المآذن في العمارات السعودية الأولى بزيادة (٣٢) متراً.
وقد بينت الدراسة –أيضاً- أن المسعى في الحرم المكي كانت تحيط به المنازل والمتاجر من الجانبين، وكان سوقاً تجارياً يعج بالحركة التجارية، جزء كبير من أرضه مغطى بالأتربة، مما عرقل حركة الساعين بين الصفا والمروة، وقلل من قدسية المكان وروحانيته، وخاصة أن بعض المدخنين لا يراعون هذه القدسية للمكان، كما أن الدواب كانت هي الوسيلة الوحيدة قبل وصول السيارات لنقل البضائع، وكانت تمر بالمسعى فتؤذي الساعين بإثارتها للغبار والروائح الكريهة، وعند وصول السيارات أصبحت هذه السيارات تجوب المسعى طولاً، كما أنها تقطع حركة الساعين عند مرورها بعرض المسعى بالقرب من الصفا. وهذا الأمر أزعج الملك عبد العزيز –رحمه الله- وجعله يعمل على إعطاء هذا المكان قدسيته وروحانيته، فأمر –رحمه الله- بإقامة مظلة جديدة عليه؛ لتحمي الساعين من حرارة الشمس، كما أنه أمر برصفه لمنع إثارة الأتربة والغبار، وما تحدثه تلك الدواب والسيارات من إيذاء للساعين، وكان يفكر جدياً في إدخال المسعى ضمن مباني المسجد الحرام بمكة.
وبعد وفاته – رحمه الله – سارع أبناؤه البررة إلى تحقيق رغبة والدهم، وقد تم في التوسعة السعودية إدخال المسعى ضمن مبنى المسجد الحرام، وجعل من دورين وأسطح بطول مساحة المسعى وعرضه، كما تم فصل حركة الساعين عن العربات التي تحمل كبار السن بممر وضع في وسط المسعى في الطابق الأرضي منه، وذلك لتسهيل حركة الساعين في ذهابهم وإيابهم، وتم تحديد مناطق الهرولة بإضاءة وضعت على الأعمدة في الجانبين باللون الأخضر، ولتجنيب الساعين من تقاطعهم بحركة الداخلين والخارجين من المسعى، فإنه تم إقامة جسور معلقة فوق بعض المداخل بعرض عدة أمتار لنقل حركة الدخول والخروج من المسجد الحرام عبر المسعى، دون أن يكون هنالك أي عرقلة لحركة الساعين بين الصفا والمروة، وخاصة في أوقات الذروة، وهذه من الأعمال الجليلة التي تسطر بأحرف من نور للحكومة السعودية وحكامها.
وبالنسبة للكعبة الشريفة فإن الدراسة بينت أنها بنيت أحد عشر بناء، كما ذكر ذلك كثير من المؤرخين، إلا أن الثابت أن بناءها بالمعنى الكامل تم أربع مرات، هي:
١ - بناء الخليل إبراهيم عليه السلام: وهو ثابت في القرآن الكريم.
٢ - بناء قريش: وهو ثابت بالحديث الصحيح.
٣ - بناء عبد الله بن الزبير: بعدما أصابها المنجنيق، واحترق جزء كبير منها، فسارع إلى عمارتها بالكامل من جديد، وأخرج منها حجر إسماعيل.