وعلى أبناء الشعوب الغربية أن يعلموا أننا نحن المسلمين دعاة ولسنا محاربين، وإذا كان تاريخنا قد وصلهم مشوهاً بفعل قلة من الكتّاب أرادت أو سخرت لخدمة أغراض سياسية واقتصادية، أو دفعت بعصبية العداء الديني، فتاريخنا ليس به ما يحمل على عمق العداء الذي يواصله الغرب تجاهنا، لقد ذهبنا إلى الأندلس دعاة قيم، وحاربت جيوشنا القوط البرابرة الذين أسقطوا الإمبراطورية الرومانية المقدسة واتسم تاريخهم بهدم المضيء من حضارة الإنسان، وانضمت إلى جيوش المسلمين في الأندلس جموعٌ من المسيحيين انتصاراً للقيم وأملاً في الخلاص من هؤلاء البرابرة، ونعمت هذه الجموع بسماحة ديننا فارتضوه لزمن طويلٍ لولا نعرة الحقد والعداء التي عادت فأثيرت، وقد خلفنا وراءنا تراثاً أسهم في بناء الحضارة الأوروبية الحديثة وبشكلٍ لا تقوى على إنكاره أقلام المشوهين المغرضين، ولا أدل على ذلك من الكسب الذي تحققه أسبانيا في مجال السياحة على حساب هذه الآثار التي تشهد على أننا نحن المسلمين نبني ونعمر ونتسامح ولا نكره أو نقتل أو ندمر.
أما العثمانيون فهم قبائل آسيوية من نفس جذور القبائل الأوروبية، هداها الله إلى ديننا فتغيرت رسالتهم وتميز دورهم فسعوا إلى نشر القيم الإنسانية والدفاع عنها، وارتضيناهم حكاماً وفي هذا دليل سماحتنا وحرصنا على القيم لا على التعصُّب، وحين تحولوا عن قيمنا أسقطنا من تحول منهم من حسابنا.
وبشكلٍ عام فإنه مما لا شك فيه أن الغرب الأوروبي بغطرسته الحضارية واتجاهاته العدوانية التي سار فيها شوطاً بعيداً في تعامله مع الشرق الإسلامي يُعد مسئولاً مسؤوليةً مباشرةً عن تحول نظرة الشرقي المسلم من الإعجاب بإنجازاته الحضارية والاتجاه إلى الأخذ منها والتي بدت منذ بداية القرن التاسع عشر إلى نظرة حقد وكره مشوبةٌ بعدم الإعجاب أو الاحترام التي ينظر بها الشرقي الآن للعالم الغربي بأسره، ولعل ذلك يرجع كذلك إلى استهانة الغربي بالرَّصيد الحضاري الإسلامي وإنكاره الانتفاع به في حضارته، والذي يكشف مدى كرهه وإنكاره للإسلام كدين ويبدو في تعامله مع المسلمين وهو أمرٌ لم يكن له مثيلٌ في الرَّصيد الإسلامي التشريعي أو التاريخي في موقف المسلمين تجاه الديانات الأخرى مسيحيةً كانت أم يهودية، وأن على الغرب ضرورة تغيير منهجه وموقفه تجاه الشرق الإسلامي إذا كان يريد تقارباً وقبولاً، ولا ينبغي أن تخدعه حضارته الحالية في أن تصور له عدم الاحتياج، وهو ما يتسم به دوره الحالي، إلى ذلك التقارب حتى لا يضيف رصيداً جديداً إلى الرصيد العدائي التاريخي بين الشرق والغرب.
وكذلك فإن على المفكرين في الشرق الإسلامي، وعلى ضوء ذلك البحث، إدراك حقيقة هامة وهي أن شعوب هذه المنطقة من العالم قد اعتادت أن تعطي ثقتها وولاءها لحكومة وحدة إسلامية حتى ولو بدت بداخلها بعض الكيانات السياسية شبه المستقلة فإن قوة ذلك الولاء كانت وراء تصدي الدولة الإسلامية الواحدة، ممثلةً في هذه الكيانات، لغارات التتار المدمّرة في الشرق، وكذلك غارات الصليبين المتوالية من الغرب. كما أن نجاح الخلافة العثمانية في حماية شعوب المنطقة من الهجمات الصليبية الاستعمارية الحديثة وبشكلٍ أسهم في استمرار مقومات وجودها في إطار موحد قد ضمن لها استمرار ولاء شعوب المنطقة وهو أمر أسهم في استمرارها لفترةٍ زمنيةٍ بلغت أربعمائة سنة.