هـ) - كردستان ليست فقيرة، بل هي غنية بمواردها الزراعية والمعدنية وبمياهها ونفطها، فكردستان العراق، وهي جزء من كردستان الواسعة، هي سلة خبز العراق، البلد الأم، ولم يكن الكرد يوماً شوكةً في جنب الوطن العراقي، ولن يكونوا والتاريخ المشترك للشعبين الشقيقين على أرض الوطن يشهد بذلك، كل ما في الأمر أن بعض الحكَّام أحياناً فشلوا في التعامل موضوعياً مع مطالب الكرد وحقوقهم المشروعة، وهذه صورة تتكرر في مجتمعات أخرى أيضاً.
٤ - لقد تمتعت معاهدة سيفر بمكانةٍ خاصةٍ في التاريخ السياسي المعاصر للكرد لكونها المعاهدة الوحيدة التي وضعت المسألة الكردية في إطار القانون الدولي وبذلك تحوَّلت المسألة من شأن داخلي خاضع لأحكام القانون الداخلي للدولة العثمانية إلى شأن دولي خاضع لأحكام القانون الدولي. لقد هيَّأت سيفر النواة لتشكيل دولةٍ كردية ولكن على مرحلتين متعاقبتين، وهذه العملية تطبق حالياً بشأن المسألة الفلسطينية (اتفاقية أُسلو). وكما هو الحال بالنسبة للشأن الفلسطيني حاول أعداء الكرد العمل بكل الوسائل على إلغاء معاهدة سيفر أو تجميد نصوصها المتعلقة بمصير الكرد. ونتيجة لمصالح الدولة الاستعمارية ألغيت معاهدة سيفر وحل محلها معاهدة لوزان والتي أعادت المسألة الكردية إلى أحضان القوانين الداخلية للدول التي اقتسمت كردستان، وبعد أن كانت الأخيرة قبل معاهدة لوزان مجزأةً بين الدولتين الفارسية والعثمانية، اقتسمتها بعد إبرام تلك المعاهدة أربع دول وهي تركيا وإيران والعراق وسوريا.
٥ - كان لهذا التقسيم أثرٌ كبيرٌ على الكرد، حيث أن الدول التي تقاسمت كردستان كانت تنتهج سياسات مختلفةً تجاه القضية الكردية، وبالتالي تجاه الثقافة الكردية. ففي تركيا انعكست سياسة القمع في تحريم ارتداء الملابس المحلية والتحدث باللغة الكردية والمجاهرة بالانتماء القومي الكردي، وكان لكل ذلك الدور الأساسي في تراجع النشاطات الثقافية هناك إلى حد أن الأغلبية المدنية من الكرد أخذت في استخدام اللغة التركية. ولكن في العراق كانت الحالة مختلفة كلياً إذ تم الإقرار بالوجود الكرد مع بداية تأسيس الدولة العراقية المعاصرة التي أعطت عام ١٩٣٢م تعهداً مكتوباً لعصبة الأمم باحترام الاختلاف الكردي والسماح باستخدام اللغة الكردية في المجالات التعليمية والقضائية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، كما أقرت الحكومة قانوناً متعلقاً باستخدام اللغات المحلية بما فيها الكردية، ونتيجةً لذلك أخذت الحركة الكردية في العراق تتطور بشكل مغاير عما كان جارياً في تركيا وإيران.
٦ - لقد تعرف الوطن القومي الكردي على اختلاف انتماءاته وأجزائه على الحياة السياسية، وأسس الكرد أحزاباً كان لها دورها ونشاطها وتأثيرها السياسي إلى جانب صخب السلاح، على أن الرصاص لا يكفي وحده ولا يعبر دائماً عن الأماني القومية وغيرها بشكل صحيح. ولقد تولت الأحزاب السياسية الكردية مسؤولية العمل الوطني بجدارة، على الرغم من أنها لم تستطع يوماً استقطاب الإجماع الشعبي من حولها، لكنها عبرت دائماً بشكل أو بآخر عن أهداف الشعب وتطلعاته القومية ومشاعره الوطنية، مع أنها ظلت تنشط وتتفاعل في وسط حدود نسبياً، كما أنها أصيبت بآفة الصراع والانقسام الذي كان دائماً ما يميز الشعب الكردي.