إن فكرة الإصلاح هي الفكرة الأساسية والهدف الأول من أهداف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ لأن الأنبياء مصلحون ويصلحون ما اعترى الناس من فساد وانحراف في المعتقدات والمفاهيم وما تغير في أحوالهم مما يخالف النواميس الربانية، ويتعارض مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وباعتبار أن دور الأنبياء قد اختتم مع بعثة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. فقد أصبح الأمر الإصلاحي ملزما للأمة كلها، فهي مسؤولة عن إصلاح ذاتها وعليها أن تتولى شؤون أمرها فمن خلالها ينهض قوم من داخلها يتبنون عملية الإصلاح والتغيير وهم العلماء والقضاة والفقهاء، والمربون , ورجال الحسبة، وفيهم يظهر الإصلاح، ومنهم ينطلق في اتجاه فئات المجتمع عامة وعقول الشباب خاصة؛ لأنهم أكثر فئات المجتمع عرضة لوقوعهم تحت تأثير الأفكار المتطرفة والانبهار بزيف الحضارة الغربية، وحتى يتحقق لأولئك المصلحين هدفهم ويصلوا إلى بغيتهم فإنه يستلزم الأخذ بمبدأ الإصلاح ليس بالنصح والوعظ والإرشاد المباشر فقط بل لا بد من الأخذ بأسباب أخرى مرادفة لها تكون أكثر تنوعا وتأثيرا وقربا من عقولهم وتشويقا لنفوسهم، كالمحاورة العلمية والبرامج الإعلامية والبحوث السيكولوجية النفسية لما لها من دور فعال في تأليف القلوب وجمع الكلمة وتوحيد الصف، ومنها يتم الوصول للتوازن المعتدل ومواءمة الإصلاح بالتطور الحضاري. وهذا يتطلب تأهيلا عاليا لأولئك المصلحين وأهل الحسبة حتى يصبحوا في مستوى المسؤولية وعلى قدر حجم الحدث، علما بأن الإصلاح والتغيير لا يكون إلا من الداخل وعبر الحوار وبعيدا عن الفردية والاستبداد الفكري، وهذا مطلب للمواطنين على الدولة وللدولة على المواطنين يستحق احترام الطرفين.
التوصية الخامسة:
إن الاستقرار في الأحكام بالقدر الذي يحفظ للأحكام عدالتها وللدعاوى نزاهتها، وللحقوق وصولها إلى أهلها أمر مطلوب. ومن ثم؛ فإن تفعيل الحكم وتطبيقه وعدم المماطلة في تنفيذه أمر يستلزم الوجوب من الحاكم العادل؛ لأن مهمة الحاكم ومسؤوليته أمام الأحكام الشرعية أن يضع الشريعة موضع التنفيذ باعتبار أنها الضمان للسلام الاجتماعي ولحقوق الأفراد، ويجب من خلال سلطته إرغام المتداعين على الخضوع للشريعة باعتبار ذلك أحد الواجبات الدينية على الحاكم ومن شعائر الإسلام التي تتعلق بعنقه لأنها من حقوق العباد وهو مطالب بتحقيق الحق وبسط العدل ورد المظالم لأهلها، وفي ذبذبة الأحكام المكتملة لشروط القطعية وعدم وضعها موضع التطبيق والتنفيذ ضياع يؤدي إلى الظلم المحرم الذي حرمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرما.
التوصية السادسة:
كثيرا ما يتم تبادل الخبرات والبرامج والخطط بين الدول بعضها بعضا وحتى على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب والمنظمات، فكل منهم يمد الآخر بما لديه من وسائل التميز في تطوره من خلال جودة خططه ونفع برامجه وتحقيق منافعه، وترتقي الأهمية في ذلك إذا كان الاقتباس يؤدي إلى الاستقرار الحياتي للمجتمع بأكمله ويستفيد أفراده في مجالات تصريف حياتهم كافة؛ وهذا ما يتمثل في نهج المملكة العربية السعودية في تطبيق الشريعة الإسلامية لديها وجعلها القاعدة الأساسية لبناء الدولة، وعليها يعتمد سير شؤون الحياة وربط كل صغيرة وكبيرة في البلاد بمضامين الشريعة سواء كانت قضائية أو تربوية أو خلافية، وإعطاء القضاء صلاحية الفصل في أمور العباد والبلاد كمنهج تأسست عليه المملكة، وسار عليه حكامها. ومن هذا المنطلق، فإن الدول التي تريد السلام وتسعى للاستقرار، وتنشد الأمن بجميع مناحيه عليها أن تحذو حذو المملكة العربية السعودية بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع شؤونها.