للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الفصل الثاني: ذكرتُ جملة من المباحث التي تتصل بالإجماع عند المفسرين. وهذا ملخص ما فيها:

ـ بينت أن المفسرين قد عُنُوا بالمسائل المجمع عليها في شتى الفنون بما لا يكاد يوجد له نظير في شتى صنوف العلم، وذلك راجع إلى كون القرآن الكريم هو مدار جميع علوم الإسلام، ولشدة عناية المفسرين بالإجماع فإنهم قلَّ أن يطلعوا على إجماع في أحد المصادر إلا ويقومون بنقله في تفاسيرهم.

ولم تكن عنايتهم مقصورة على النقل والحكاية، بل عنوا أيضاً بأمر مناقشة الإجماع والاعتراض عليه من جهة، أو تأييده بالأدلة من جهة أخرى. وأمثلة كلِّ ذلك قد ذكرتها تفصيلاً في موضعها.

ـ وضحت جملة من دواعي ذكر الإجماع عند المفسرين، وذلك لأني رأيت المفسرين لا يذكرون الإجماع في التفسير إلا لأمر يدعو لحكايته ونقله، ومن تلك الدواعي:

أـ وجود الاشتراك في المعنى، بحيث يرد في الآية لفظ مشترك بين معنيين فأكثر، يصلح حمل اللفظ مجرداً عليها، ولا يصح تفسيره إلا بأحدها، فيذكر العلماء الإجماع عليه، دفعاً للاشتباه بحمله على المعنى الآخر.

٢ـ تحرير محل النزاع في الآية، وذلك حينما يرد خلاف في تفسير الآية، فيبدأ المفسرون بذكر ما أجمع المفسرون عليه، تحريراً لمحل النزاع.

٣ـ الرد على المخالفين، وذلك حين تقوم طائفة منحرفة بتفسير آية على وجه يخدم ضلالها، وهو مخالف لتفسيرها الصحيح الثابت عن سلف الأمة، فإن المفسرين هنا يذكرون الإجماع على هذا التفسير، رداً على تلك الطائفة.

٤ـ أن يذكر الإجماع في تفسير آية للاحتجاج به في ترجيح قول على آخر في تفسير آية أخرى.

٥ـ دفع توهم معنى فاسد، إذ قد ينقدح في أذهان بعض الناس معنى فاسدٌ في تفسير آية، فيذكر العلماءُ الإجماعَ على تفسيرها بالمعنى الصحيح، دفعاً لذلك المعنى الفاسد.

٦ـ مخالفة تأويل الآية للظاهر أو الغالب في الاستعمال.

٧ـ ألاّ يرد في ألفاظ الآية ما يدل على المراد بها صراحة، مما لا يتم معناها إلا به، فيحتاج المفسر إلى التصريح بالإجماع على ذلك المراد، لقطع احتمال غيره.

ـ بينت أن الخلاف الوارد في التفسير إذا كان خلافاً في الألفاظ فقط فإنه لا أثر له بتاتاً على الإجماع.

وإن كان خلافاً في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما، فهذا من باب اختلاف التنوع ولا أثر للخلاف فيه على لا ما يُحكى من الإجماع إذا كان بصيغة تجمع بين الأقوال، ولا تؤدي إلى إبطال أحدها وعدم اعتباره.

لكن إذا حكى أحد المفسرين الإجماع على أحد تلك الأقوال، فإن كان مراده أن الجميع متفقون على صحة المعنى فهذا صحيح، وإن كان مراده نفي ما عداه من الأقوال فهذا مردود.

ـ بينت الأسباب التي توقع المفسر في مخالفة الإجماع، ومن أهمها:

أولاً: ضعف العناية بآثار السلف، وعدم التمييز بين صحيح الروايات الواردة عنهم وضعيفها.

ثانياً: كون المفسر يعتقد أشياء باطلة، ثم يحمل القرآن عليها، ولو كان مخالفاً لما أجمع السلف عليه. وقد فصلت القول في بيان عدم الاعتداد بأقوال أهل الأهواء المخالفة لإجماع السلف.

ثالثاً: تفسير القرآن بمجرد اللغة، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمُنَزَّلِ عليه المخاطب به.

رابعاً: الاعتداد بالقول الشاذ.

خامساً: الاعتداد بقول قد انعقد الإجماع قبل حدوثه.

سادساً: الاعتماد في نقل الخلاف على روايات ضعيفة، لا تثبت عمن نسبت إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>