أ) إدراك العقول لحُسن الأشياء وقبحها؛ بمعنى أن الأفعال والأعيان هل في ذواتها حقائق متقررة هي أهل لأن تراعى وتؤثر وتستتبع الرفع من شأنها أو شأن المتصف بها؟ وحقائق هي أهل في نفسها لأن يُعدل عنها، وتستتبع الوضع من شأن من اتصف بها؟
ب) المجازاة على الأفعال بذم أو عقاب أو مدح أو ثواب هل تعرف بالعقل أو يستقلُّ الشرع بها؟
١١) أن العلماء اختلفوا في محل النزاع في مسألة التحسين والتقبيح العقليين على ثلاثة أقوال مشهورة إجمالاً، وهي:
القول الأول: نفي التحسين والتقبيح العقليين؛ بمعنى نفي إدراك العقل لحسن الأشياء أو قبحها، وأن الأفعال لا توصف بالحسن والقبح لذواتها، وليس في العقل حُسْن حَسَن ولا قُبْح قَبيح؛ بل حُسْن الأفعال وقُبْحها مستفادان من الشرع فحسب، ولا مدح ولا ثواب ولا ذم ولا عقاب إلا بالشرع.
القول الثاني: أن العقل يمكنه إدراك حُسْن أو قُبْح كثير من الأفعال والأشياء؛ لما تشتمل عليه من صفات الحُسْن أو القُبْح الذاتيين، فتسمى الأشياء والأفعال قبل الشرع حَسَنة أو قَبيحة، لكن لا يترتب على ذلك الإدراك وجوب ولا تحريم ولا ثواب ولا عقاب؛ بل الأمر في ذلك متوقف على ورود الدليل الشرعي به.
١٢) أن الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين يعود إلى الخلاف في عدة أصول، أهمها ما يلي:
أ) أفعال الله تعالى وأوامره ونواهيه: هل هي معللة بالحِكم والغايات أو لا؟ والحق في ذلك ما عليه السلف من أن الله تعالى خلق المخلوقات وفعل المفعولات وأمر بالمأمورات ونهى عن المنهيات لحِكمة مقصودة.
ب) الحِكمة المثبتة لله تعالى: هل هي فعل يقوم بالله سبحانه قيام الصفة به؛ فيرجع إليه حُكمها ويشتق له اسمها أم ترجع إلى المخلوق فقط من غير أن يعود إلى الرب منها حُكم أو يشتق له منها اسم؟ والحق هو الأول، وهو ما عليه السلف الصالح.
ج) إرادة الله تعالى هل تعلقها بجميع الأفعال تعلق واحد؟ فما وجد منها فهو مراد له، محبوب مرضي - طاعة كان أو معصية - وما لم يوجد منها فهو مكروه مبغوض، طاعة كان أو معصية أو لا؟
والحق ما عليه السلف من أن الإرادة لا تستلزم الرضا والمحبة، فالمعاصي كلها مكروهة لله؛ وإن وقعت بمشيئته وخلقه، والطاعات كلها محبوبة لله؛ وإن لم يشأها كوناً ممن لم يطعه.
د) أفعال العباد هل هي مخلوقة لله أو لأنفسهم؟
والحق في ذلك ما عليه السلف من أن الله خالق أفعال العباد كلها، والعباد فاعلون لها حقيقة، ولهم قدرة حقيقية على أفعالهم، ولهم إرادات، والله خالقهم وخالق قُدَرِهم وإراداتهم، وإراداتهم خاضعة لمشيئة الله الكونية.
١٣) أن الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين خلاف معنوي؛ ترتبت عليه ثمرات عقدية وأصولية وفقهية.
فمن الثمرات العقدية المترتبة على الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين ما يلي:
أ) معرفة الله تعالى هل هي واجبة بالشرع أو بالعقل؟
ب) الخلاف في وجوب شكر المنعم عقلاً.
ج) الخلاف في وجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى.
د) الخلاف في وجوب اللطف على الله تعالى.
هـ) الخلاف في وجوب الثواب على الطاعات.
و) الخلاف في إثبات عذاب القبر.
ز) الخلاف في الجنة والنار هل هما مخلوقتان الآن، وغير ذلك من الثمرات ..
ومن الثمرات الفقهية المترتبة على الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين ما يلي:
أ) الخلاف في صحة إسلام الصبي المميز.
ب) الخلاف في قبول خبر الواحد في رؤية الهلال في الصحو.
ج) الخلاف في انعقاد نَذْرِ من نَذَر صوم يوم العيد وأيام التشريق.
د) الخلاف في قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.