للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحاجة إذن ليست ماسةً إلى منقذ من الأنبياء جديد، ولكنها ماسةً إلى منهج إحياء وتجديد، يقوم عليه علماء ودعاة مخلصون، يترسمون خطا الأنبياء ويستلهمون مناهج الإصلاح التي جاءوا بها علماً وعملاً وجهاداً، ويصبرون على ذلك ويُصابرون، حتى تتجمع تيارات الخُلصاء من الأمة معهم في سيل إصلاحي جارف، فسيل الانحراف الذي أحدثه المبدلون لا يمسه إلا سيل يمده المستمسكون، وتيارات الأهواء لا تدفعها إلا تيارات أقوى منها، تستمد قوتها من الهدى لا الهوى. ولا أمل في إيقاف مسيرة التقهقر في الأمة إلا بدفعها إلى سيرة معاكسة تتقدم نحو الإصلاح بكفاح جاد، وجهدٍ مستبصر، وخطى لا تتردد، حتى يتحول المدرى مرةً أخرى لصالح الإسلام والمسلمين. وإن هذا العمل الكبير هو في الحقيقة خليق بالأنبياء وهم الجديرون به، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العلماء ورثة الأنبياء) (١). فقَدَرُ هؤلاء العلماء وقَدْرهم أن يقوموا بمثل ما كان يقوم به الأنبياء عندما كانت غربة الدين تشتد وسيطرة الباطل تطغى. وعلى هؤلاء العلماء والدعاة والمطلعين معهم بتلك المهمة الضخمة؛ أن يستجمعوا في ذوات أنفسهم صفات الربانيين المصلحين، وذلك بصدق اللجوء إلى الله، وكمال الاستعانة به، وجميل التوكل عليه، وقوة اليقين في نصرته وتأييده لأهل الحق، والمثابرة على الدعوة والصبر عليها، وعدم التعجل في قطف ثمارها، والتجرد لتلك الدعوة وتفريغ القلوب والأوقات لها، وإعطاء القدوة من النفس في الامتثال والخضوع لشريعة الله، والأخذ بالعزائم دون الرخص، كلما أمكن، والتزود الدائم من مناهل العلم النافع، والاستعداد المستمر بأنواع العمل الصالح. فإذا رأى الله تعالى في قلوب خواص الأمة تغييراً نحو الصلاح، غيَّر أحوالهم إليه، وغيّر بهم حال الأمة، وغيّر بالأمة وجه الدنيا، لتعود البشرية مرةً أخرى إلى نعيم الحياة تحت ظلال حكم الله، بعد طول شرود. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (٢).

فاللهم ردنا إليك رداً جميلاً، وأعدنا إلى دينك عوداً حميداً، واهدنا واهدِ بنا ويسر الهدى لنا.

وصلِّ اللهم على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذرّيته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.


(١) رواه الترمذي في أبواب العلم، ب (فضل الفقه على العبادة /١٩) ح (٢٦٨٣) (٧/ ٣٢٥) ورواه أبو داود في كتاب العلم، ب (فضل العلم/١) ح (٣٦٤١) (٤/ ٥٧) وصححه الألباني.
انظر صحيح سنن أبي داود (٢/ ٦٩٤) ح (٣٠٩٦)
(٢) سورة الرعد، آية: (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>