للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أ) الحاكم الصالح: وهو الإمام المستوفي للشروط الشرعية، التي إذا توافرت فيه ضمنت الصلاح المرجو في الحاكم المصلح.

(ب) الرعية الصالحة: وصلاحها يتحقق بقيام الحاكم بواجباتهم نحوها، وقيامها بواجباتها تجاه ولاة أمورها.

(ج) نظام حكم شرعي: وأصدق ما يمثله نظام الخلافة الإسلامية الذي يستمد قواعد دستوره من الكتاب والسنة، ومن إجماع الأمة على ما يفهم منهما، وحيث يقوم هذا الدستور على قواعد أساسية هي: إفراد الله بالحاكمية -والطاعة للولاة في طاعة الله- والشورى.

٣٢ - لم يكتف القرآن بعرض الأصول النظرية للحاكم الصالح، بل عرض من خلال قصصه أنماطاً من سلوك الحكام الصالحين، كان أبرزها: يوسف عليه السلام، وسليمان عليه السلام، وذو القرنين الحاكم الصالح، ومن خلال قصصهم في القرآن تستنبط فوائد غزيرة مما ينبغي أن يتحلى به الحاكم من صفات.

٣٣ - رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل القمة التي وصل إليها البشر في مجال الحكم الصالح المصلح، فقد تجمعت في شخصيته عليه الصلاة والسلام الصفات التي تفرقت في جميع الأنبياء والمرسلين.

وقد قام عليه الصلاة والسلام بأعظم دور إصلاحي في التاريخ البشري، بحيث لم يُسبق في ذلك ولم يُلحق، ونظم للأمة العلاقات والصلاة الهامة الثلاث، وهي: صلة الأمة بربها، وصلتها بعضها ببعض، وصلتها بغيرها، وقد توافرت في شخصيته عليه الصلاة والسلام كل عناصر القيادة الناجحة للأمم في أوقات السلم والحرب.

٣٤ - كما أن لله تعالى أحكاماً شرعية دينية أمرنا بالامتثال لها؛ كذلك فإن له سبحانه أحكاماً قدرية كونية أمرنا بالإيمان والإيقان بها، وهي أحكام الله فيمن امتثل أو أعرض عن الأحكام الشرعية، وتلك الأحكام القدرية هي المعبر عنها في القرآن بـ (السنن). فالسنن الإلهية في الأنفس والآفاق توضح لمن استقصاها الآثار الطيبة التي تقتطف عندما يمتثل الناس لحكم الله، وتبين الآثار السيئة التي يجنيها الناس من جراء الإعراض عن حكم الله. وهذه الآثار المعبرة عن أحكام الله القدرية، تشمل الدنيا والآخرة، وهي تمثل مادة غزيرة جداً في كتاب الله تعالى.

٣٥ - وأخيراً ظهر لي أن الفساد الواقع والمتوقع من جراء الانحراف عن شرع الله تعالى قد جر الأمة -بل الناس جميعاً إلا من رحم الله- إلى مشارف هوة سحيقة، تطالع البشرية فيها مصيرها النكد في شقاء الآخرة بعد ضنك الدنيا الذي تحياه بعيدةً عن هدايات الرسل. وفي مثل هذه الفترات التي تظلم بالجهالات تارةً، وتكفهر بالصراعات أخرى تحت الغيوم الملبَّدة بالقلق والحيرة والترقب، كان يتوقع في تاريخ الأمم السابقة أن يبعث الله نبياً أو رسولاً، يرفع الظلام عن الأرض، ويدفع الانتقام الإلهي عن الناس، ولكن النبوة قد ختمت ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فهل ضاعت آمال البشرية في العودة إلى حياة القرار والطهر والسعادة لعدم قدوم نبي جديد؟ ... كلا.

إن شمس الرسالة المحمدية لم تنكسف، وغطاء رعايتها للعالم لم ينكشف، فلا زال الدين حياً، والكتاب محفوظاً، ولن تزال في الأمة طائفة على الحق الواضح يصلح الله تعالى بها أمر الناس كلما دهمتهم الفتن، أو ضربتهم المحن.

<<  <  ج: ص:  >  >>