٢٣ - الحكم بالقانون الوضعي هو أبرز مظاهر تبديل الشريعة، وهو انحرافٌ قديمٌ في الأمم، ولكنه لم يدخل على هذه الأمة إلا في عصر الغزو التتاري، حيث حُكم قطاع كبيرٌ من الأمة قسراً بقانون جنكز خان، ولكن ذلك الانحراف يومئذٍ كان مقصوراً على الطبقة الحاكمة، بخلاف ما حدث في الانحرافات المعاصرة، حيث جر الحكام المبدِّلون للشريعة قطاعات من الأمة خلفهم للتحاكم إلى غير شرع الله.
٢٤ - هناك آيات كثيرة توضح موقف القرآن من المبدلين، بما يقطع بأن التبديل مقوض لأركان الإيمان، وناقضٌ لقواعد الإسلام، وأنه إحياءٌ للجاهلية، ودعوةٌ لعبودية البشر ومحاربة لله ورسوله، وشرك وافتراء وتزوير للحقائق، وفتح لأوسع المفاسد الدنيوية والأخروية.
٢٥ - المتحاكمون إلى غير ما أنزل الله يخضعون للتفصيل في أحكامهم على حسب كيفية تحاكمهم إلى غير شرع الله. فهناك المتحاكمون عن علم وقصد، وهؤلاء حكمهم مثل حكم المبدلين في كونهم كفاراً مرتدين، وهناك متحاكمون مطيعون في المعصية لكنهم مقرّون بالشرع كله، وهؤلاء حكمهم حكم أهل الكبائر من هذه الأئمة، وهناك متحاكمون عن جهل، وهؤلاء مقصرون في طلب العلم، ولكنهم معذورون بالجهل في تحاكمهم -على المختار من قول العلماء في مسألة العذر بالجهل- وهناك متحاكمون مكرهون على التحاكم إلى القوانين الوضعية، وهؤلاء لا إثم عليهم، وهناك متحاكمون إلى أمور ليست من الشريعة ولكنها غير مخالفة لها، وهؤلاء لم يأتوا بمحظور، بل إن طاعتهم للأنظمة الإدارية غير المخالفة للشرع يعتبر طاعة لله، إذا كانوا في ظل حكومات تحكم بما أنزل الله.
٢٦ - للحكم بما أنزل الله خصائص تميزه عن غيره؛ لأنه صبغة الله، فمن خصائصه: الربانية، حيث تنعكس عليه معاني أسماء الله تعالى وصفاته من العلم والحكمة واللطف والخبرة والإحاطة. وقد تمثلت فيه لهذا صفات لا يمكن أن تتوافر في تشريع غير رباني، مثل: الثبات، وعدم القابلية للتغيير، والتأييد بالعصمة، والخلود، والبركة المتجددة والاستقلال والاستعلاء على الذوبان، والبراءة من الهوى، والتوسط والتوازن.
٢٧ - ومن خصائص الحكم الإسلامي: الكمال والشمول، فشريعة الإسلام عامةً وناسخةً وخاتمة. ولكمال هذه الشريعة وشمولها مظاهر متعددة منها: الثراء، والاستغناء، وتجاوز حدود الزمان والمكان، والمرونة، والوفاء بمصالح البشر.
٢٨ - ومن خصائص الشريعة الإسلامية: العدالة والمساواة، فالشريعة تجعل العدالة فريضةً في الأمور القولية والفعلية، والعائلية والمالية والقضائية والتعبدية، والنفسية، وفي المعاملات القلبية، والأمور السياسية، وفيما يتعلق بالتعامل مع الأعداء الأغيار، ومع المسلمين من أبرار أو فجار.
٢٩ - العدالة في حكم الإسلام مودعة في أحكامه نفسها، فمن حكم بالإسلام حكم بالعدل، بخلاف الشرائع الوضعية التي تعتبر العدل هو تنفيذ القانون، ولو كان ظالماً، وتجعل العدالة مبدأ يُلجأ إليه لتلطيف أحكام القانون الصماء، بينما العدل والعدالة في الإسلام وصفان لشيء واحد.
٣٠ - وللحكم في الإسلام مقاصد، ينفرد بتوخي تحقيقها: أولها: تحقيق العبودية لله، فالحاكمية تقصد إلى تحقيق التوحيد مثلما تهدف العبودية ومن تلك المقاصد أيضاً إقامة الدين في الأرض عن طريق نشر العلم وإطلاق الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد في سبيل الله.
ومن المقاصد أيضا: توخي الإصلاح في كل شؤون الدنيا والآخرة، حيث يدور منهاج الشريعة حول أمور ثلاثة فيها مصالح العباد، وهي درء المفاسد وجلب المصالح والجري على مكارم الأخلاق.
٣١ - الدولة الحاكمة بما أنزل الله تقوم على ثلاث دعائم يصلح أمر الأمة بصلاحها، وهي: