إن المبتلين بالوقوع في الغلو في العصر الحديث يتميزون بفقد العلم الشرعي أو قصوره، وينصب اهتمامهم على الدعوة، وذخيرتهم فيها الحماس والغيرة دون العلم الشرعي. ولذلك فإني أوصي بنشر العلم الشرعي وتكوين هيئات علمية، وما يسمى بالجامعات المفتوحة، ومراكز خدمة المجتمع في الجامعات الإسلامية، ليدرس الشباب العلم الشرعي، وتعقد لهم الدورات الشرعية التي يقوم عليها علماء أكفاء ذوو ثقة في نفوس الشباب، وذوو علم وإخلاص.
ثالثاً: إحياء دور العلماء:
إن غياب العلماء عن الساحة في كثير من البلاد الإسلامية غياباً كلياً أو غياباً نسبياً من ضمن أسباب وجذور الغلو. ولذلك فإني أوصي بأن يهتم بإعادة دور العلماء. ويتولى مسئولية ذلك بشكل رئيس ثلاث فئات:
الفئة الأولى: العلماء أنفسهم. وذلك بالإخلاص لله عز وجل، والقيام بواجبهم: تجاه ولاة الأمر بالمناصحة، وتجاه عموم المجتمع بالتربية والتوجيه، وتجاه فئة الشباب بالتربية والعناية.
والبعد عن كل ما يخدش مقام وكرامة العلماء، من الحرص على الدنيا والتكالب عليها، ومن ضعف الالتزام بأوامر الدين.
الفئة الثانية: ولاة الأمر. بأن يُصدّروا العلماء ويستشيروهم ويأخذوا برأيهم، ويوكلوا إليهم مهمة معالجة مظاهر الانحراف.
الفئة الثالثة: المجتمع والشباب بشكل خاص. وذلك بأن يأخذوا من العلماء ويأتمروا بأوامرهم وفتاواهم الشرعية.
وإذا تحقق دور العلماء في المجتمع، فإنهم سيكتسب المجتمع حصانة من مظاهر الانحراف، ووقاية من مشكلة الغلو وغيره من المشكلات، إذ العلم والحكمة هما أداتا تصحيح المسار، ولا يكفي الحماس والغيرة بدون العلم والحكمة، وهما لا يوجدان إلا عند أهل العلم بشرع الله عز وجل.
رابعاً - محاورة أهل الغلو:
لقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب المحاورة مع الغلاة ودحض شبههم ورد افتراءاتهم، إذ رد عليه الصلاة والسلام على ذي الخويصرة بقوله: (ويحك من يعدل إن لم أعدل!). كما عمل به صحابته رضوان الله عليهم؛ فحاور علي بن أبي طالب الخوارج، وحاورهم عبد الله بن عباس.
ولذلك فإن أسلوب الحوار ناجح في معالجة الغلو. لأن نور الحق ساطع، وبرهانه قاطع، وهو يعلو ولا يُعلى عليه. ولكني أنبه على عدة ضوابط للحوار:
١ - أن يكون مبنياً على الثقة؛ فيكون العالم المناقش والمحاور محل ثقة المتهمين بالغلو.
٢ - أن يعامل المتهمون بالغلو على أساس أنهم متهمون، لا أنهم مدانون يقفون في ساحة المحكمة.
٣ - أن يتوفر للطرفين حرية الحوار؛ فلا يملى على العالم جوانب الحوار، ولا يكون حوار المتهمين بالغلو في ظل القوة والعنف.
٤ - أن يكون الحوار منطلقاً من أرضية البحث عن الحق، لا لجمع أدلة إدانة للمتهمين بالغلو.
خامساً: دفن الهوة بين العلماء والحكام والشباب:
أن من أكبر المعضلات في مشكلة الغلو: أن هناك فجوة بين العلماء والحكام من جهة، والشباب من جهة أخرى. وإن دفن تلك الهوة بينهم واجب حتى تتحقق الثقة وتُبنى المحبة التي تحت ظلها تحل جميع المشكلات، إذ عندما يثق الشباب بولي الأمر من حاكم أو عالم فإنه سيسمع ويطيع. وعندما يثق ولي الأمر من حاكم أو عالم بالشاب فإنه سيفتح قلبه له ويحل مشكلاته ويزيل شكايته.
سادساً: الحكم بشرع الله:
إنه قد تبين جلياً أن الحكم بغير شرع الله كان من جذور الغلو الرئيسة؛ إذ معظم مظاهر الغلو راجعة إليه، ولذلك فإنه يجب على حكام المسلمين الحكم بشرع الله في سائر جوانب الحياة، فتوضع السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والإعلامية وغيرها في ضوء الشرع، ثم يراقب تنفيذ تلك السياسات وتطبيقها.
سابعاً: توضيح الحقائق: