للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن خلدون لم يحصي الأحاديث الواردة في المهدي وإنما ذكر جزءاً قليلاً منها. ومع محاولته لتضعيفها لم يجد بداً من الاعتراف بصحة بعضها فقال: (فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه) (١).

(د) هل روايات المهدي من وضع الشيعة؟:

يزعم بعض الناس أن الأحاديث الواردة في المهدي كلها من وضع الشيعة أو أنها على الأقل يوجد في روايتها من رمي بالتشيع ولذلك فلا تقبل هذه الروايات. لأنها تأيد بدعتهم فوقعت التهمة فيها عليهم.

ولكن هذه الشبهة ليست بصحيحة لما سيأتي.

رواية أهل البدع:

وللعلماء في قبولها أو عدمه أربعة أقوال:

(١) لا تقبل مطلقاً. وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله (٢) فقد قال: لقد تركت جماعة من أهل المدينة ما أخذت عنهم من العلم شيئاً. وإن منهم لمن يؤخذ عنهم العلم وكانوا أصنافاً فمنهم من كان كذاباً في غير علمه تركته لكذبه. ومنهم من كان جاهلاً بما عنده فلم يكن عندي موضعاً للأخذ عنه لجهله ومنهم من كان يدين برأي سوء (٣). وقال أشهب: سئل مالك عن الرافضة فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون (٤). وهو قول أبي بكر الباقلاني وأتباعه ونقله الآدمي عن الأكثرين وجزم به ابن الحاجب (٥).

(٢) تقبل مطلقاً. وإن كانوا كفاراً وفساقاً بالتأويل. وبه قال جماعة من أهل النقل والمتكلمين (٦).

(٣) تقبل إن لم يعرف باستحلال الكذب. وهذا قول الشافعي رحمه الله فقد قال: تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم (٧).

وحكي هذا عن ابن أبي ليلى وسفيان الثوري، وأبي يوسف القاضي (٨).

(٤) لا تقبل من الداعية وتقبل من غير الداعية. وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله وهو مروي عن عبد الرحمن بن مهدي ويحي بن سعيد القطان وغيرهم. قال أبو داود: قلت لأحمد: يكتب عن القدري؟ قال: إذا لم يكن داعياً (٩). وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي لما رويت عن أبي معاوية الضرير وكان مرجئاً ولم ترو عن شبابة بن سوار وكان قدرياً؟ قال: لأن أبي معاوية لم يكن يدعوا إلى الإرجاء وشبابة كان يدعو إلى القدر (١٠). وقال عبد الرحمن بن مهدي: من رأى رأياً ولم يدعو إليه احتمل ومن رأى رأياً ودعا إليه فقد استحق الترك (١١).


(١) تاريخ ابن خلدون (المقدمة) (١/ ٥٧٤).
(٢) التمهيد (١/ ٣٣)، معرفة علوم الحديث للحاكم (ص ١٣٥)، المخل في أصول الحديث للحاكم (ص ١٦).
(٣) التمهيد (١/ ٦٦)، معرفة علوم الحديث (ص ١٣٥).
(٤) ميزان الاعتدال (١/ ٢٧ - ٢٨).
(٥) التقييد والإيضاح (ص ١٤٩)، فتح المغيث (١/ ٣٠٤)، توضيح الأفكار (٢/ ٢٣٣).
(٦) الكفاية (ص ١٩٥)، فتح المغيث (١/ ٣٠٦).
(٧) الكفاية (ص ١٩٤، ١٩٥).
(٨) المصدر السابق (ص ١٩٥).
(٩) الكفاية (ص ٢٠٥).
(١٠) فتح المغيث (١/ ٣٠٦).
(١١) كتاب المجروحين (١/ ٦٨)، الكفاية (ص ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>