للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا عرفنا أن أغلب الأحاديث الثابتة في المهدي ليس في أسانيدها من رمي بالتشيع والروايات التي فيها من رمي بالتشيع فأكثرها لها شواهد من طرق أخرى. فزالت هذه الشبهة أيضاً. ولله الحمد.

(هـ) هل روايات المهدي من وضع كعب الأحبار ووهب بن منبه؟:

جرت عادة بعض الناس أنهم إذا سئلوا عن هذه المسائل التي تتعلق بأشراط الساعة والفتن والملاحم أجابوا بدون دراسة وتحقيق أنها من وضع كعب الأحبار وأمثاله من مسلمي اليهود (١).

ولكن الحقيقة أن الأمر خلاف ذلك في مسألة المهدي. فكل ما صح عندي من الأحاديث والآثار ليست فيها رواية واحدة لكعب الأحبار، ولا رواية عن طريقه. وأما الآثار التي رويت عنه فلم تصح أسانيدها إليه. ورواية واحدة فقد رويت عن طريق وهب بن منبه (الحديث: ٦) وهو وإن كان من علماء التوراة والكتب السابقة لكنه ثقة في روايته ولم يتهم فيها وثقه العجلي والنسائي وأبو زرعة وابن حبان ولم يرد تضعيفه إلا من الفلاس وحده. ولم يذكر سبباً فهو جرح غير مفسر فلا يقبل بمقابل توثيق جمهور الأئمة ولذلك لم يلتفت العلماء إلى قوله. فقال ابن حجر: (ثقة) وقال الذهبي: (كان ثقة صادقاً كثير النقل من كتب الإسرائليات) فلا شك أنه حجة في روايته وأخباره. أما إذا نقل عن الإسرائليات فحكمه كحكم غيره.

(و) هل فكرة خلافة المهدي تخالف العقل السليم؟:

قال الأستاذ أحمد أمين: (حديث المهدي هذا حديث خرافة. وقد ترتبت عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين نسوق لك أهمها: ثم أضاف قائلاً (أحيط المهدي بجو غريب من التنبؤات والأخبار المغيبات والأنباء بحوادث الزمان. فعند آل البيت علم توارثوه عن أخبار الزمان إلى يوم القيامة وهناك الجفر وهو جلد ثور صغير مكتوب فيه علم ما سيقع لأهل البيت مروي عن جعفر الصادق في زعمهم. وهناك أخبار زعم مسلمة اليهود أنهم رأوها في كتبهم الدينية مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه في أحداث الدول وأعمارها إلى أن قال: (وكان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام) (٢). وقال أيضاً: نظرية المهدي وهي نظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح. ولعل تقدم الناس في عقلهم ومعارفهم وتقدمهم في الحكم ونظامه وما ينبغي أن يكون، يقضي على البقية الباقية من هذه الخرافة (٣).

ولكن قد تبين لنا من خلال دراستنا أن هذه الخرافات والتنبؤات التي يستبعدها العقل ويأباها القلب كلها مما لا تصح نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا إلى الصحابة ولا إلى غيرهم من التابعين وأئمة المسلمين وهم برآء منها. فمنها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع مختلق اختلقه القصاص أو المغرضون أو المتزلفون أو فئة دون فئة.


(١) انظر ما قاله السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار (٩/ ٥٣، ٥٤).
(٢) ضحى الإسلام (٣/ ٢٤٤).
(٣) المصدر السابق (٣/ ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>