للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما صح عندنا نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى أصحابه فليس فيه شيء واحد يستبعده العقل والقلب ولا يحتاج التقدم العلمي والاجتماعي والسياسي إلى إنكار ذلك. بل التقدم في حاجة ماسة إلى مثل هذه القيم والأخلاق في الساسة والحاكم. وهذه الأمور ليست محصورة في المهدي بل يجب أن يكون كل حاكم مسلم متصفاً بهذه الصفات النبيلة عملاً بقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وليس المهدي إلا أحد أولئك الذين يتأسون بأسوة النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً فليس المهدي عجيبة من عجائب الدهر. وأي غرابة في أن أقول: (سيتولى أمر المسلمين في أواخر الأيام رجل من عترة النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله فيحكم بالعدل فيبارك له الله تعالى في حكمه وتعيش الأمة الإسلامية في عصره في نعمة ورخاء). ولا أرى فيه شيئاً يخالف سنة الله في خلقه. أما ما ثبت من نزول عيسى وقتله الدجال فهو من الحوادث الزمنية المختصة بذلك العصر وقد ثبت نزول عيسى وقتل الدجال بأدلة متواترة قطعية بحيث لا يبقى فيه مجال للشك أبداً.

(ز) هل روايات المهدي متعارضة؟:

قال السيد محمد رشيد رضا: (وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر والجمع بين الروايات فيه أعسر ... ) ثم ذكر بعض ما يرى من التعارض في الأخبار والآثار الواردة فيه. فمنها ما تدل على أنه محمد بن عبد الله أو أحمد بن عبد الله ومنهم من يرى أنه محمد بن الحسن العسكري ومنهم من يرى أنه محمد بن الحنفية وكذلك منهم من يزعم أنه علوي حسني ومنهم من يزعم أنه علوي حسيني ومنهم من يظن أنه عباسي. والكل يتشبث بآثار وأخبار (١). وذكر بعض الأمور التي اضطربت واختلفت فيه الروايات الواهية والموضوعة.

ولا غرابة في ذلك فإن علامات الخطأ أو الكذب أن يكون متعارضاً مختلفاً ونحن لا ننكر أن كثيراً من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الموضوع ضعيف أو موضوع وإن تعارضت هذه الأخبار فلا تضر شيئاً تلك الروايات الثابتة فإنها ولله الحمد لا نجد فيها أي تعارض.

وليس من التحقيق والإنصاف أن ننكر كل ما ورد بدون تمييز. بل الحق أن ننزل كل شيء منزلته فننكر الخطأ ونقبل الصواب.

(ح) هل نظرية المهدي أنتجت الفتن والقلاقل؟:

قال الأستاذ أحمد أمين: (وكان من أثر ذلك الثورات المتتابعة في تاريخ المسلمين. ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة كلهم يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس .. ولو أحصينا عدد من خرجوا في التاريخ الإسلامي وادعوا المهدوية وشرحنا ما قاموا به من ثورات وما سببوا من تشتيت للدولة الإسلامية وانقسامها وضياع وقتها لطال بنا القول. ولم يكفنا كتاب مستقل) (٢).


(١) تفسير المنار (٩/ ٥٠١) وانظر أيضاً ما قاله الأستاذ أبو الأعلى المودودي في كتابه (ما هي القاديانية) (ص ١٥٩، ١٦٠).
(٢) ضحى الإسلام (٣/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>