للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن كثيراً من الفتن قامت من جراء أدعياء المهدوية في عصور مختلفة وقد ذكرت كثيراً منهم في مقدمة هذا الكتاب، ولكن ليس الذنب فيه ذنب هذه الفكرة السليمة. بل العهدة فيه على أولئك الذين حاولوا استغلال هذه الفكرة من الطامعين في السلطة والحكم وعلى أولئك الغوغاء المتبعين لهم لجهالتهم وبعدهم عن التعاليم الإسلامية الصحيحة. فالعلاج ليس هو في إنكار هذه الفكرة من أساسها مع ثبوتها علمياً كما أن وجود أمثلة من الذين ادعوا النبوة كذباً وزوراً لا يحملنا على إنكار النبوة من أساسها. فالعلاج الحقيقي هو تثقيف الناس وتبيين الحقائق لهم كما هي في الواقع منزهة عن الشوائب العالقة والأكاذيب المدرجة والافتراءات الدخيلة وذلك لكي يكونوا على علم بالحقائق فلا يغتروا بمثل أولئك الأدعياء الذين يريدون أن يظهروا للناس كرامتهم وخوارقهم المزعومة لكي يثبتوا أن لهم عند الله تعالى منزلة عليا، وأن الملائكة والجن والرسل كلهم تحت أمرهم أو معهم. فلا شك أن معرفة الرجل المسلم بحقائق دينه وعقيدته كفيلة بأن تنقذه من كل هذه التضليلات والأكاذيب.

(ط) هل فكرة المهدوية تحمل الناس على التواكل وترك العمل؟:

يرى بعض المؤلفين أن من الآثار السيئة التي وجدت في المجتمع الإسلامي من جراء نظرية المهدي أن المسلمين مالوا إلى التواكل وترك العمل والتذمر والبكاء والعويل بدلاً من أن ينهضوا ويجتهدوا لإنشاء مجتمع إسلامي يسود فيه العدل والحق ولا يظلم فيه الضعيف ولا يطغى فيه القوي (١).

ولكن الواقع أن التاريخ الإسلامي الزاهر مليء بالحركات الإسلامية الصحيحة التي بذلت جهوداً عظيمةً لإعلاء كلمة الله في المجتمع وهذا باب واسع ولا أريد أن أدخل في تفاصيله ولا يخفى على من له إلمام بالتاريخ الإسلامي، وأرى أن فكرة المهدوية يمكن أن تكون من الحوافز والمشجعات لمثل هذه الحركات التي تريد رفع راية الحق والعدالة فإن كانت الشريعة الغراء يمكن أن تنفذ في عصر المهدي المنتظر فكذلك يمكن أن تنفذ قبل ذلك. فيجب على المسلمين أن يحاولوا ويبذلوا جهودهم في سبيله. ولئن وجد في المسلمين أناس أساءوا فهم هذه الفكرة فخطؤهم راجع إليهم وليس إلى الفكرة ذاتها.

(ي) هل خرافات المتصوفة صادرة عن فكرة المهدوية؟:

يرى الأستاذ أحمد أمين أن الصوفية إنما أخذوا خرافاتهم وأساطير مملكتهم الوهمية من الأقطاب والأوتاد والأبدال من نظرية المهدي (٢).

ولا شك أن كثيراً من هذه الخرافات وغيرها يوجد لدى الصوفية، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنهم تعلموها من فكرة المهدوية. فمصادر المعرفة في زعمهم كثيرة فمنهم من يزعم أنه يأخذ من الخضر عليه السلام، ومنهم من يزعم أنه يأخذ من اللوح والكرسي مباشرة. وتخيلاتهم في هذا الباب عجيبة ولا نستطيع أن نتهم فكرة المهدوية بهذه الأشياء. نعم إن بعضهم قد حاول استغلال هذه الفكرة وادعاء المهدية له لفرض سيطرته على عقول وقلوب الأتباع تحت شعار من القدسية والولاية. وسيأتي كلامنا معهم ومع غيرهم من المستغلين.

مع المستغلين لفكرة المهدوية:

لقد علمنا من خلال دراستنا لمقدمة هذا الكتاب أن محاولات كثيرة جرت في التاريخ لاستغلال هذه الفكرة للوصول إلى أغراض مختلفة وقد قامت على إثرها فتن واضطرابات كثيرة، حتى مال بعض الناس إلى إنكار هذه الفكرة من أساسها، وقام آخرون فحاولوا تعقيدها وإبعادها عن واقع الناس حتى أصبحت وكأنها قضية خيالية. وكلا الفريقين في تفريط أو إفراط.

كيف نقاوم هذا الاستغلال؟:


(١) تفسير المنار (٩/ ٤٩٩) وما بعده، ضحى الإسلام (٣/ ٢٤٥).
(٢) ضحى الإسلام (٣/ ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>