٧ - بطلان ما ذهبت إليه فرقة التكفير في منهجها، ومخالفتها بذلك منهج السلف الصالح، وخروجها عن إجماع الأمة. ومما يدل على فساد منهجها ما حل بها من فرقة وهزيمة، وما وقع بين أفرادها من اضطراب وتناقض، كما أن الكثير منهم قد رجع عن هذا الفكر وعدل عنه، بل رد عليه بردود قاطعة. ثانياً: وبعد أن عرفنا الأسباب يجب أن نؤكد أن العلاج لا ينفصل عن الأسباب، فإذا كانت الأسباب – كما بينا – متعددة ومتنوعة، فلابد أن يكون العلاج متعدداً ومتنوعاً. ولا يتصور أن لمسة سحرية تعالج التطرف، وتعيد المتطرفين إلى خط الاعتدال فإن الأمراض التي تتعلق بأنفس البشر وعقولهم أعمق وأعقد من أن تعالج بهذه السهولة وإذا كان من الأسباب ما هو فكري، وما هو نفسي، وما هو اجتماعي، وما هو سياسي، فإن العلاج ينبغي أن يكون كذلك، فكرياً وسياسياً ونفسياً واجتماعياً، وأن يكون كذلك كله من منطق الإسلام ومعطياته، وفي ضوء الإسلام، إن الظاهرة في أساسها دينية، فلا يمكن إعفاء الشباب من المسئولية، وتحمل نتيجة أخطائهم. كما لا يجوز أن نحملهم وحدهم عبء المسئولية، ونعفي المجتمع والحكم وأجهزته المختلفة، خصوصاً المسئولين عن التربية والتوجيه والإعلام، بل على المجتمع دوره، وعلى الشباب دورهم. ويبدو "دور المجتمع" من نقطة مهمة هي أن يعترف هذا المجتمع بانتمائه للإسلام وما يقتضيه هذا الإسلام من التزام وسلوك فالإسلام ليس مجرد دعوى تدعى ولا شعاراً يرفع، ولا مجرد نص في الدستور، ثم تسير سفينة الحياة بعد في خط يجافي الإسلام.
إن الإسلام. منهج متكامل للحياة، يصبغها بصبغة الربانية، ويوجهها وجهته الأخلاقية، ويضع لها الإطار والمعالم والحدود التي تضبط سيرها، وتربطها بغايتها وتقيها الانحراف عن الجادة، أو السقوط في الحفر، أو الضياع في مفارق الطرقات. لهذا كان الإسلام عقائد تقوم الفكر وعبادات تطهر القلب، وأخلاقاً تزكي النفس، وتشريعاً يقيم العدل، وأدباً تجمل الحياة. ولا بد لحركة الإصلاح، من الاعتراف بالانتماء للإسلام وما يقتضيه هذا الانتماء من التزام وسلوك، ولا بد لكي يكون المجتمع مسلماً حقاً من الالتزام بالإسلام كله، راضياً بحكم الله ورسوله في كل شئون الحياة، كما هو مقتضى عقد الإيمان. فيجب على مجتمعاتنا أن تزيل هذا التناقض الصارخ القائم في حياتنا اليوم بين إيماننا بالإسلام عقيدة وشريعة من عند الله، وبين تجميدها لأحكامه وتعطيلنا لحدوده وإغفالنا لتوجيهاته وآدابه، واستيرادنا لمذاهب وأنظمة من الغرب والشرق بديلاً عنه ويجب أن يؤمن حكامنا بأنهم يعيشون في أوطان الإسلام، ويحكمون أناساً مسلمين ومن حق كل قوم أن يحكموا وفقاً لعقيدتهم، وأن تأتي دساتيرهم وقوانينهم معبرة عن معتقداتهم وقيمهم وتقاليدهم.
وأن تصاغ مناهج التربية والتعليم وفقاً لها، وأن تسير أجهزة الإعلام والثقافة في اتجاه حمايتها وتثبيتها ونشرها، وأن توضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والداخلية والخارجية في إطارها، وفي خدمة أهدافها. وبعد أجهزة الإعلام عن التهويل والشطط، فمعظم الصحافة في مصر تناولت موضوع جماعة التكفير بشطط كبير، تناولا غير سليم، وغير مفيد، على طريقة النقد الهدام وليس البناء فهو يقوم على التهويل والمبالغة، وتصوير غير الواقع، والخروج عن الموضوعية، مما يبتعد بها عن رسالة الصحافة التي لا يحددها أبداً قرار أو قانون بل المفروض أن تكون وليدة خلق وقيم وضمير، والبعد عن كل ما هو فاحش، والذي يتنافى مع الأخلاق والدين.