والاختلاف في الأحكام الظنية والفرعية والعملية لا ضرر فيه ولا خطر منه، إذا كان مبنياً على اجتهاد شرعي صحيح، وهو رحمة بالأمة، ومرونة في الشريعة، وسعة في الفقه، وقد اختلف فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، فما ضرهم ذلك شيئاً، وما نال من أخوتهم ووحدتهم. وهناك الأحكام التي ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع، ووصلت إلى درجة القطع، وإن لم تصبح من ضروريات الدين فهذه تمثل الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة، ومن خالفها خالف السنة، ووصف بالفسق والبدعة، وقد ينتهي به الأمر إلى درجة الكفر. وهناك الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، بحيث يستوي في العلم بها الخاص والعام، وهي التي يكفر من أنكرها بغير خلاف، لما في إنكارها من تكذيب صريح لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
– فلا يجوز إذن أن توضع الأحكام كلها في إطار واحد، ودرجة واحدة حتى يسارع بعض الناس إلى إلصاق الكفر أو الفسوق أو البدعة بكل من عارض حكماً ما.
ولهذا كان من المعاني الكبيرة التي يجب على الشباب أن يحسنوا الفقه فيها أن يعرفوا ما يجوز فيه الخلاف، وما لا يجوز فيه الخلاف، وأن منطقة ما يجوز فيه الخلاف أوسع بكثير مما لا يجوز.
وأهم من هذا كله أن يتعلموا، "أدب الخلاف" وهو أدب ورثناه من أئمتنا وعلمائنا الأعلام، علينا أن نتعلم عنهم كيف تتسع صدورنا لمن يخالفنا في فروع الدين؟ كيف تختلف آراؤنا ولا تختلف قلوبنا؟ كيف يخالف المسلم أخاه المسلم في رأيه دون أن تمس أخوته أو يفقد محبته أو احترامه لمخالفته، ودون أن يتهمه في عقله أو في علمه أو دينه؟
وعلى الشباب أن يحترموا أهل التخصص، فلكل علم أهله، ولكل فن رجاله، وليس علم الشريعة كلاً مباحاً لكل الناس، بدعوى أن الإسلام ليس حكراً على فئة من الناس، وأنه لا يعرف طبقة "رجال الدين" التي عرفت في أديان أخرى. فالواقع أن الإسلام لا يعرف طبقة رجال الدين ولكن يعرف علماء الدين المتخصصين الذين أشارت إليهم الآية الكريمة:{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}[سورة التوبة: ١٢٢]. وقد علمنا القرآن والسنة أن نرجع فيما لا نعلم إلى العالمين من أهل الذكر والخبرة بقوله تعالى:{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[سورة الأنبياء: ٧].
وعلى الشباب المسلم أن يأخذوا العلم الشرعي من ثقات العلماء الذين يجمعون بين سعة العلم والورع والاعتدال، وعليهم أن يتخلوا عن التشدد والغلو، ويلزموا جانبي الاعتدال والتيسير وخصوصاً مع عموم الناس الذين لا يطيقون ما يطيقه الخواص من أهل الورع والتقوى، وأن يتبعوا المنهج الذي رسمه القرآن في الدعوة إلى سبيل الله وجدال المخالفين:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} {سورة النحل: ١٢٥].